للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أطارت الريحُ الجلدَ فألقته في المَدْبَغة فاندبغ، طَهُر، والسبب فيه ما فهم من أنَّ الموجبَ للتطهير بالدباغ ما يحدثُهُ الدباغ في الجلد من الطِّيب، وينقله عن حاله من الخَبَث، وأن هذا الموجب لا تفاوتَ فيه بين القصد وعدم القصد، وصار هذا كما عُلم أن الماء مطهر للنجاسة، وأن ما يحصل من التطهير به حاصلٌ وإن لم يُقصد، حتى لو انجرَّ السيلُ ومرّ على نجاسة بالأرض فأزالها، طهرت الأرض، وهذا من المعاني القوية التي يقوى في النفس تقدُّمُها على الظاهر البعيد.

الرابعة والثلاثون: إذا دبغَ الجلدَ غيرُ مالكه طَهُر؛ لأنه مندرجٌ تحت اللفظ؛ أي: تحت قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّما إهابٍ دبغَ فقد طَهُر"، وهذا إهاب دبغ فطهر.

وأما اختلاف الشافعية في أن الغاصب الدابغ؛ هل يملك الجلد، أو يكون للمالك، أو يُفرَّق بين زوال يد المالك قبل دبغه، أو إزالتها بفعل الدابغ (١)؟ فمما لا يتعلق بهذا اللفظ، وليس يبعد من الظاهري أن يقول: لا يطهر هذا الجلد بالدباغ من غير المالك؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أحدثَ في أمرِنا هذا ما ليسَ منه فهو ردٌّ" (٢)؛ أي: مردود، وهذا الدباغ ليس من أمره - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه معصية،


(١) انظر: "التنبيه" للشيرازي (ص: ١١٦).
(٢) رواه البخاري (٢٥٥٠)، كتاب: الصلح، باب: إذا اصطلحوا على صلح جور، فالصلح مردود، ومسلم (١٧١٨)، كتاب: الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، من حديث عائشة رضي الله عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>