للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثاله: إذا تذكرنا سببَ السعي بين الصفا والمروة وهو تركُ إبراهيم - عليه السلام - هاجرَ وابنَها في تلك الأرض الموحشة بلا أنيسٍ ولا سببٍ ظاهر في دوام الحياة، وأن (١) سعيَها في ذلك المكان لطلب الماء للطفل أولها أو لهما حَصلَ عندنا من تعظيم إبراهيم - عليه السلام - وامتثالِهِ لأمر الله تعالى فيما يعظُم أمره من المشقات على البشرية حدًا ما لا يُقدر قدره، وكان ذلك صلاحًا لنا وتهوينًا على أنفسنا في المشقات التي لا تنتهي إلى أيسر من هذا [ن الكامل]:

يَغْشَونَ حَوْمَاتِ (٢) المَنُونِ وإنِّها ... في اللهِ عندَ نفوسِهِمْ لصِغارُ (٣)

وكذا إن كان رميُ الجمار مذكِّرًا لنا لرمي إسماعيل - عليه السلام - الشيطانَ عند وسوسته ولسائرِ قصة الذبح، كان ذلك علةً ظاهرة، ومصلحة باعثة للأنفس على احتمال المشقات في ذات الله تعالى، إلى غير ذلك من الأمور (٤)، والله أعلم.


(١) "ت": "وهو أن".
(٢) في الأصل: "حرمات" والتصويب من "ت".
(٣) رواه ابن قتيبة في "عيون الأخبار" (١/ ١٢٤) عن عاصم بن الحدثان.
(٤) قال ابن القيم رحمه الله: ولما أمر الله به - أي: الختان - خليلَه، وعلم أن أمره المطاع، وأنه لا يجوز أن يعطَّل ويضاع، بادر إلى امتثال ما أمر به الحي القيوم، وختن نفسه بالقدوم، مبادرة إلى الامتثال، وطاعة لذي العزة والجلال، وجعله فطرة في عقبة إلى أن يرث الأرض ومن عليها, ولذلك دعا جميع الأنبياء من ذريته إليها، حتَّى عبدُ الله ورسولُه وكلمتُه ابن العذراء البتول اختتن متابعة لإبراهيم الخليل، والنصارى تقر بذلك وتعترف أنَّه من أحكام الإنجيل. انظر: "تحفة المودود" (ص: ١٧٤ - ١٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>