للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الحروف بعضها مكان بعض فقال: هذا باب يتلقاه الناس منسولاً ساذجاً من الصنعة، وما أبعد الصواب عنه، وأوقفه دونه؛ وذلك أنهم يقولون: إن "إلى" تكون بمعنى "مع"، ويحتجون لذلك بقوله سبحانه {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: ٥٢] أي: مع الله، ويقولون: إن "في" تكون بمعنى "على"، ويحتجون بقوله عزَّ اسمُه {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١] أي: عليها، ويقولون: تكون الباء بمعنى "عن"، و"على"، ويحتجون بقولهم، رميت بالقوس؛ أي: عنها وعليها. ثم قال: ولسنا ندفع أن يكون ذلك كما قالوا، لكنا نقول: إنه يكون بمعناه في موضع دون موضع على حسب الأحوال الداعية إليه المسوغة له، فأما في كل موضع وعلى كل حال، فلا. ألا ترى أنك إن أخذت بظاهر هذا القول غفلاً هكذا لا مقيدًا لزمك عليه أن تقول: سرت إلى زيد، وأنت تريد معه، وأن تقول: زيد في الفرس، وأنت تريد: عليه. ونحو ذلك مما يطول ويتفاحش ثم قال: ولكن سنضع في ذلك رسماً يعمل عليه، ويؤمن التزام الشفاعة لمكانه: اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر، وكان أحدهما يتعدى بحرف والآخر بآخر، فإن العرب قد تتسع، فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه؛ إيذاناً بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر، فلذلك جيء معه بالحرف المعتاد مع ما هو في معناه، وذلك كقوله تعالى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: ٥٢] أي: مع الله، وأنت لا تقول: سرت إلى زيد؛ أي: معه، لكنه إنما جاء {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} لمَّا كان معناه: من ينضاف في نصرتي إلى الله، فجاز لذلك أن تأتي هنا "إلى"، وكذلك قوله تعالى: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} [النازعات: ١٨] وأنت إنما تقول: هل لك في كذا، لكنه لما كان على هذا دعاء منه - صلى الله عليه وسلم - صار تقديره: أدعوك وأرشدك إلى أن تزكى.
ثم قال: ووجدت في اللغة من هذا الفن شيئًا كثيرًا لا يكاد يحاط به، ولعله لو جمع أكثره لجاء كتاباً ضخمًا، وقد عرفت طريقه، فإذا مرَّ بك شيء منه فتقبله وأنس به، فإنه فصل من العربية لطيف حسن يدعو إلى الإنس بها والفقاهة فيها، انتهى. =

<<  <  ج: ص:  >  >>