للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أَنْشُد إلا فعلَك، أي: ما أسألك إلا فعلك، ومثل ذلك (شَرٌّ أهرَّ ذا نَابٍ) (١)، و (شيء جاء بك)، قال ابن يعيش: وجاز وقوع فعلت هاهنا بعد (إلا) من حيث كان دالًا على مصدره، كأنهم قالوا: ما أسألك إلا فعلك، ونحوه ما أنشده أبو زيد [من الوافر]:

فقالوا ما تشاءُ فقلتُ ألهو ... إلى الإصْباحِ آثِرَ ذي أثيرِ (٢)

فأوقع الفعلَ على مصدرِه؛ لدلالته عليه، كأنه قال في جواب (ما تشاء): (اللهو)، وإذا ساغ أن يحمل (شرٌّ أهرّ ذا ناب) على معنى النفي في نشدتُك اللهَ إلا فَعلتَ، أظهر لقوة الدلالة على النفي لدخول (إلا) لدلالتها عليها، انتهى ما أردت نقله (٣).

ومن الحمل على المعنى: أقسمتُ عليك إلا فعلتَ، فقياسه لو أجريَ على ظاهره أن يقال: ليفعلن، لأنه جواب القسم في طرف الإيجاب بالفعل، فتلزمه اللام والنون، لكنهم حملوه على نشدتكَ اللهَ إلا فعلت؛ لأن المعنى فيهما واحد، قال سيبويه رحمه الله: سألت الخليل رحمه الله عن قولهم: أقسمت عليك لما فعلت وإلا فعلت، لمَ


(١) يقال: أهرَّه: إذا حمله على الهرير، وشر: رفع بالابتداء وهو نكرة، وشرط أن يبتدأ بها حتى تخصص بصفة؛ كقولنا: رجل عن بني تميم فارس، وابتدؤوا بالنكرة هاهنا من غير صفة، وإنما جاز ذلك؛ لأن المعنى: ما أهر ذا ناب إلا شر. وذو الناب: السبع. يضرب في ظهور أمارات الشر ومخايله. انظر: "مجمع الأمثال" للميداني (١/ ٣٧٠).
(٢) البيت لعروة بن الورد، كما في "ديوانه" (ص: ٥٧).
(٣) انظر: "شرح المفصل" لابن يعيش (٢/ ٩٤ - ٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>