للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان سببُهُ العادةَ لم يقتضِ المخالفةَ، كما في قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: ٢٣]، فإنه وُجِد للتخصيصُ سبب (١) آخر غير معنى المخالفة، فعلى هذا يقال: سببُ التخصيص بالذكر تقديم (٢) تحريم الميتة، وإخراج هذا الجنس منها، فقد وُجِد سببٌ غيرُ المخالفة.

الثامنة والثلاثون: إذا فَرَّعنا على أنه من مفهوم المخالفة الذي يدلُّ على نفي الحكم عما عداه، فيؤخَذُ منه ما اختلف فيه الشافعيةُ - رحمهم الله تعالى - في ابتلاع السمكة حيةً، هل يجوز من جهة الحل، وإن مُنِعَ من جهة التعذيب (٣)؛ فإذا قلنا بالمفهوم، فمُقتضَى ذلك المنعُ؛ لتخصيص الحِلّ بالموت، فيخرجُ عنه الحيُّ في الحكم، وهؤلاء يجعلون الموتَ في السمك كالذبح في غيره ليحصُلَ الحِلُّ.

التاسعة والثلاثون: قد أشرنا إلى مفهوم المخالفة بالنسبة إلى الحيِّ من سمك البحر، ويكون لهذا اللفظِ مفهومُ الموافقة من وجه آخر، وذلك أنَّا لمَّا بيَّنا أن عُرْفَ الشرع في الميتة عدمُ (٤) الحياة من غير ذكاة، فإذا دلَّ اللفظُ على إباحة ذلك كان ما ذُكِّيَ أولى بالإباحة.

وهذا من طريف ما وقع أنْ يُجمَعَ في صيغة واحدة مفهومُ موافقة ومفهوم مخالفة باعتبارين كما ذكرناه.


(١) في الأصل: "التخصيص بسبب"، والتصويب من "ت".
(٢) "ت": "تقدم".
(٣) انظر: "المجموع في شرح المهذب" للنووي (٩/ ٧٠).
(٤) "ت": "مع عدم".

<<  <  ج: ص:  >  >>