للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن الأنفس ليست مِلْكاً لإنسان، بل هي مِلْكٌ لله تعالى، فالتصرفُ فيها بغير ما أَذِنَ فيه ممتنعٌ، وهذا كلّه يشّهد لك ما ذكرناه من صعوبة الفرق علماً وعملاً.

وخامسها: ما نحن فيه، فإن إسباغَ الوضوءِ مطلوبٌ: "ويلٌ للأعقابِ من النَّارِ، أسبِغُوا الوضوء" (١)، والزيادة سَرَفٌ ممنوعٌ، كما تقدم في حديث عبد الله بن عمرو.

وسادسها: المواعظُ النَّافعةُ في الدين المؤدِّيةُ إلى سلوك سبيل المتقين مطلوبةٌ شرعًا: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: ١٢٥]، والإكثارُ منها يُسْقِط وَقعها، ويؤدي إلى السآمة منها، فتبطُل فائدتُها المطلوبة، فالاقتصادُ هو المحمود: "كان رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - يتخوَّلُنا بالموعِظَةِ مخافةَ السآمِة علينا" (٢).

وانظر (٣) إلى الحِكْمة الشَّرعية في جعلها مرةً في الأسبوع؛ لأنَّ طولَ تركِها يُطْغي النفسَ، ويقوِّي دواعِيَها المذمومةَ، فربما عَسُرَ ردُّها بعد تمكُّنِها من النَّفس، وكثرةِ فعلها فيه ما ذكرنا من إيطال فائدتها وحكمها، فتوسط في ذلك.


(١) تقدم تخريجه عند البُخاريّ ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) رواه البُخاريّ (٦٨)، كتاب: العلم، باب: ما كان النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا، ومسلم (٢٨٢١)، كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، باب: الاقتصاد في الموعظة، عن ابن مسعود رضي الله عنه.
(٣) "ت": "فانظر".

<<  <  ج: ص:  >  >>