للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو عبيدة: معناه: أنه قَضَى اللهُ أنَّه لا إلهَ إلا هو.

قال: وقولهم: شَهِدَ فلانٌ عند الحاكمِ، أي: بَيَّنَ له وأعلمه (١).

واعترضَ أبو القاسم عليه، فيما وجَدْتُه، فقال: ليس حقيقةُ الشهادة كما ذكره، ولو كان معنى الشهادة البيانَ والإعلام، لما أكذَبَ الله تعالى المنافقين في قوله: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: ١]؛ لأنَّ البيان الإعلامُ، والبيانُ باللسانِ لا بالقلبِ، فقد قالوا بألسنتهم، وأَعْلموا، فكذَّبهم الله تعالى؛ لأنَّ الشهادة في هذا الموضع، إنَّما هي تحقيقُ الشيء وتيقُّنه، فكذَّبهم الله - عز وجل - لأنَّهم أبطنوا خلاف ما أظهروا.

فقد تكون الشهادة على ضُرُوب، وأصلُها: تحقيق الشيء وتيقنه، من شهادة الشيء، أي: حضوره؛ لأنَّ مَنْ شَاهَدَ شيئاً، فقد تيقَّنه علمًا، فاستُعملت هذه اللفظة في تحقيق الأشياء، ثم اتُّسِعَ فيها بعد ذلك، فاستُعْمِلَت في موضعين آخرَين:

أحدهما: الإقرارُ بالشيء.

والآخر: الإظهارُ والبيان.

فمن الإظهار والبيان: ما ذكره من قوله عز وجل: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} [التوبة: ١٧]، ومنه: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: ١٨]، وما أشبه ذلك.


(١) انظر: "الزاهر في معاني كلمات الناس" (١/ ١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>