للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا (١) كان تقديرُ القيراط بشيءٍ واحد - وهو أُحُد - يمنع من اختلاف مقداره، فالذي يبقى هاهنا عندي أحدُ وجهين:

إمَّا أن يقالَ بإجراءِ الألفاظِ على ظاهرِها والتعارض، ويُطلبُ التَّرجيحُ بِين الرواياتِ بأحَدِ وجوهِ التَّرجيح؛ كالكثرة مثلًا، وزيادةِ الحفظ.

وإمَّا أن يقالَ - وهو الأقرب عندي -: إنَّ اللفظَ من بعض الرُّواةِ وقع فيه (٢) تَجَوُّزٌ؛ فعبَّر (٣) عن الشيء بما يقارِبُه، وهو سائغٌ، لا سيّما مع فهم


= حتى رأيت لابن عقيل فيه كلامًا، قال: القيراط نصف سدس درهم مثلًا، أو نصف عشر دينار، ولا يجوز أن يكون المراد هنا جنس الأجر؛ لأن ذلك يدخل فيه ثواب الإيمان بأعماله؛ كالصلاة والحج وغيره، وليس في صلاة الجنازة ما يبلغ هذا، فلم يبق إلا أن يرجع إلى المعهود، وهو الأجر العائد إلى الميت، ويتعلق بالميت صبر على المصاب فيه وبه، وتجهيزه، وغسله، ودفنه، والتعزية به، وحمل الطعام إلى أهله، وتسليتهم، وهذا مجموع الأجر الَّذي يتعلق بالميت، فكان للمصلي والجالس إلى أن يُقبرَ سدس ذلك، أو نصف سدسه إن صلى وانصرف.
قلت - أي: ابن القيم -: كأن مجموع الأجر الحاصل على تجهيز الميت من حين الفراق إلى وضعه في لحده، وقضاء حق أهله وأولاده وجبرهم دينار مثلًا، فللمصلي عليه فقط من هذا الدينار قيراط، والذي يتعارفه الناس من القيراط أنه نصف سدس، فإن صلى عليه وتبعه، كان له قيراطان منه، وهما سدسه، وعلى هذا فيكون نسبة القيراط إلى الأجر الكامل بحسب عظم ذلك الأجر الكامل في نفسه، فكلما كان أعظم، كان القيراط منه بحسبه، فهذا بيِّن هاهنا، انتهى.
(١) "ت": "وإذ".
(٢) "ت": "وفيه".
(٣) "ت": "ويعبر".

<<  <  ج: ص:  >  >>