للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال البَيْضاوي: المراد بالحُبِّ هنا الحُبُّ العقْلي، وهو إيثار ما يقتضي العقل رجحانه، ويَستدعي اختيارَه وإنْ كان على خِلاف الهوى، أَلا ترى أنَّ المريض يَعاف الدَّواء، ويَنفِر عنه طبعُه، ولكن يميلُ إليه باختياره، ويَهوى تناوُلَه بمقتضى عقْله؛ لمَا يعلم أنَّ صلاحه فيه، فالمرء لا يُؤمِن إلا إذا تيقَّن أنَّ الشَّارع لا يَأْمُر ولا يَنهى إلا بما فيه صلاح عاجل أو خلاصُ آجِل، والعقل يقتضي تَرجيحَ جانبه، وكمالَه بأنْ تتمرَّن نفسُه بحيث يصير هواه تبَعًا لعقْله، ويَلتذَّ به، والشَّارع - صلى الله عليه وسلم - عبَّر عن هذه الحالة بالحَلاوة؛ لأنَّها أَظهر اللَّذَّات المَحسوسة، وإنما جعَل هذه الأُمور الثلاثة عُنوانًا لكمال الإيمان المحصّل لتلك اللَّذَّة؛ لأنَّه لا يَتمُّ إيمان امرئٍ حتى يتمكَّن من نفْسه: أنَّ المنعِم باللَّذات هو الله، وما عَداه وسائطُ ليس لها ضرَرٌ ولا نفْعٌ، وأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم هو العَطُوف الساعي في إصلاح شأْن النَّاس، فلا يُحبُّ ما سِواه إلا لكونه واسطة بينه وبينه، وأنْ يتيقَّن أنَّ جميع ما وُعد وأُوعد حقٌّ كأنَّه وقَع، ويتخيَّل أنَّ ما لابَسَ ذلك من مَجالِس الذِّكْر رياض الجنَّة، وأنَّ أَكْل مال اليتيم أكلُ النَّار، والعَود في الكُفر إلقاءٌ في النار.

ثم أجابَ عن جمعهما في ضمير: بأَنَّ المعتبَر هو المَجموع المركَّب من المحبَّتين لا كلُّ واحدة، فإنَّها وحدَها ضائعةٌ لاغيةٌ بخلاف أَمْر الخَطيب، فإنَّها إشعارٌ بأنَّ كلَّ واحدٍ من العِصيانيَن مستقلٌّ باستِلزام الغِواية؛ إذ العطْف في تقدير التَّكرار، والأَصل