للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالرَّفع على أنَّه نفيٌ بمعنى النَّهي، وحكمتُه في التَّنفُّس: أنه لا يأمنُ ريقًا يخرجُ من فيه، فيخالطُ الماءَ، فيَعافُه الشَّاربُ، وربَّما تَروحُ منه إذا كانت فاسدةً؛ لِلُطف الماء، فتُسرِعُ إليه الرَّائحة، وأيضًا فذلك من فِعل الدَّواب، وإنَّما السُّنة أن يشربَ ثلاثةَ أنفاسٍ، كلُّ نَفَسٍ يُنحِّي الماء عن فَمِه، وأن يكونَ شُربُه مَصًّا غيرَ عبٍّ.

(فلا يمس ذكره بيمينه)؛ أي: تَشريفًا لليُمنى عن مُمَاسَّة ما فيه الأَذى والحدَث، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يجعلُ يُمناه لطَعامِه وشَرابِه، ويُسراه لِخِدمَةِ أسافِل بدَنه، وإماطةِ ما يكونُ بِها من قَذَر.

(ولا يتمسح)؛ أي: لا يستَنجِ باليُمنَى؛ لشَرفها كما تقَدَّم، حتى قال بعضُهم: إذا استَنجى بِها لا تُجزِئُه، قالوا: وإذا احتاجَ البائِلُ لذلك بأن لا يجدَ إلا حجَرًا ضَخْمًا لا يزولُ من مَكانِه، فإنَّه إنْ أمسَكَ ذَكَرَه بشِمَاله احتَاجَ أن يستنجِيَ باليمين، وإن أمسَكَه بيمينه لم يتمكَّنْ من الاستِنجاء بالشِّمال، فطَريقُه للتَّخلُّصِ عن النَّهيَين؛ أن يُلصِقَ مقعَده بالأرض، ويُمسِكَ المَمسوحَ بين عَقِبيه، ويتناولَ عُضوَه بشِماله، فيمسحَه به.

وحضَر ابنُ أبي هريرة مجلسَ المَحَامِلِيّ، وقد حضَر شيخٌ من أصبَهانَ -أيامَ المَوسم- نبيلُ الهيئَة، فأقبلتُ عليه وسألتُه عن الطَّهارة، فقالَ: مِثلي يُسأَلُ عنها! فقلتُ: لا والله إنْ سألتُك إلا عن الاستِنجاء نفسِه، فألقَيتُ عليه هذه المَسألة، فبقيَ مُتحيِّرًا لا يُحسِنُ الخروجَ منها إلى أن فهَّمتُه.