للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ فهذه الآية تدل على أن الصغائر والكبائر يجوز أن يذهبا بالحسنات لأن لفظ السيئات يطلق عليهما» وقد فهم ابن مسعود من السياق أن الكبائر هي ما ذكرت في سورة النساء سابقة لهذه الآية.

وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ. هذا نهي من الله- عزّ وجل- أن يتمنى الرجال ما فضل به النساء، أو أن تتمنى النساء ما فضل به الرجال، ونهي من الله أن يتمنى الناس ما فضل الله به بعضهم على بعض. وقد جاء هذا في سياق النهي عن أكل أموال الناس بالباطل، والنهي عن قتل الأنفس. فإذا عرفنا أن تمني ما فضل الله به بعض الناس على بعض، وتمني ما فضل الله به الرجال على النساء هو مرض العصر، وأساس الكثير من مذاهبه، وعنه تصدر بعض المذاهب الضالة، إذا عرفنا ذلك أدركنا بعض مظاهر الإعجاز في هذا القرآن. والصلة بين هذه الآية وسياقها واضحة، فصلتها بما قبلها من حيث إن أخذ مال الغير بالباطل، وقتل النفس بغير حق، له صلة بتمني مال الغير وجاهه، فنهاهم الله عن تمني ما فضل الله به بعض الناس على بعض، من الجاه، والمال؛ لأن ذلك التفضيل قسمة من الله، صادرة عن حكمة، وتدبير، وعلم بأحوال العباد، وبما ينبغي لكل من بسط له في الرزق أو قبض، فعلى كل واحد أن يرضى بما قسم له، ولا يحسد أخاه على حظه، فالحسد: أن يتمنى كون ذلك الشئ له ويزول عن صاحبه، والغبطة: أن يتمنى مثل ما لغيره، وهو مرخص فيه والأول منهي عنه، وهذا كله مقيد بما إذا كان كل إنسان قائما بحق الله في ماله وعمله، أما إذا لم يقم بحق الله تعالى فالأمر عندئذ له أحكامه، وعلى الدولة، والإمام أن يتدخلا لإقامة أمر الله في موضوع الأموال وغيرها. وأما صلة هذه الآية بما بعدها فمن حيث إن الله سيذكر بعد آية قوله: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ فكانت هذه الآية مقدمة لتلك، ومخالفة النهي الموجود في هذه الآية هو رأس الأسباب التي أوصلت كثيرا من نساء المسلمين، وبناتهم إلى الردة، والفجور، والفسوق. وبداية هذا الاتجاه كانت في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ثم نزلت هذه الآية تعالج هذا الأمر كما سنرى في الفوائد إن شاء الله لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ. أي: كل له جزاء عمله بحسبه، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، أي لكل من الرجال والنساء كسبه الذي سيجزيه الله عليه فيما كلفه الله به، فعلام يتمنى أحد ما فضل به الآخر ما دام نجاح كل واحد في امتحانه عليه مدار جزائه ومكافأته، فليهتم الرجال بما كلفوا به، ولتهتم النساء بما كلفن به، وليهتم الجميع بما كلفوا به، وعوضا عن أن يتمنى أحد ما لأحد قال

<<  <  ج: ص:  >  >>