للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المعنى العام]

يخبر تعالى في هذه المجموعة من الآيات عن اليهود- عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة- أنهم يشترون الضلالة بالهدى، ويعرضون عما أنزل الله على رسوله، ويتركون ما بأيديهم من العلم عن الأنبياء الأولين في صفة محمد صلى الله عليه وسلم. يشترون به ثمنا قليلا من حطام الدنيا. ويودون لو تكفرون بما أنزل عليكم أيها المؤمنون، وتتركون ما أنتم عليه من الهدى، والعلم النافع. ثم بين الله- عزّ وجل- أنه الأعلم منا بأعدائنا.

ثم ذكرنا أنه كفى به وليا لمن لجأ إليه، ونصيرا لمن استنصره، ثم بين لنا بعض طبائع اليهود في كونهم يتأولون كتاب الله على غير تأويله. ويفسرونه بغير مراد الله- عزّ وجل- منه قصدا وافتراء. ومن صفاتهم، أنهم يعلنون السمع، والعصيان، بدلا من إعلان السمع والطاعة. وهذا أبلغ في الكفر، والعناد. أن يتولى الإنسان عن كتاب الله بعد ما عقله. ومن صفاتهم، أنهم يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ. أي: اسمع ما نقول، لا سمعت. استهزاء منهم، واستهتارا. فما أحقره من خلق. ومن صفاتهم أنهم يقولون القول ويريدون غيره، إيهاما للسامع، كقولهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وَراعِنا التي ظاهرها طلب الإقبال والرعاية. وهم يريدون السب بإرادتهم الرعونة، أو بإرادتهم كلمة عبرانية معناها سب. ثم بين الله- عزّ وجل- أنهم لو أعلنوا السمع والطاعة، وطلبوا السمع والإنظار، لكان خيرا لهم، وأقوم. ولكن قلوبهم مطرودة عن الخير، مبعدة عنه، فلا يدخلها من الإيمان شئ نافع لهم، بسبب الكفر المستقر في قلوبهم. ثم نادى الله أهل الكتاب، آمرا بالإيمان بما نزل على رسوله صلى الله عليه وسلم من الكتاب العظيم، الذي فيه تصديق الأخبار التي بأيديهم من البشارات. ومهددا لهم إن لم يفعلوا أن يطمس وجوههم. فلا يبقي لهم سمعا، ولا بصرا. ولا أنفا. ومع ذلك يردها إلى ناحية الأدبار. أو يفعل بهم كما فعل بالذين اعتدوا في سبتهم بالحيلة على الاصطياد، وقد مسخوا قردة وخنازير. ثم هدد الله- عزّ وجل- أنه إذا أمر بأمر فإنه لا يخالف، ولا يمانع. ثم بين الله- عزّ وجل- الأصل العظيم الذي يعامل به عباده. وهو أنه من لقيه وهو مشرك به لا يغفر له. أما ما دون ذلك من الذنوب، فإنه يغفرها إن شاء. أو يعذب عليها إن شاء. ثم بين أن الشرك بالله إنما هو افتراء يأثم به صاحبه إثما عظيما. ثم يعود السياق إلى لفت نظر أهل الإيمان إلى حالة أخرى من حالات أهل الكتاب ينبغي أن تكون واضحة عند أهل الإيمان. هذه الحالة الثانية هي مدح أهل الكتاب لأنفسهم ودعاواهم، كقولهم نحن أبناء الله

<<  <  ج: ص:  >  >>