للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جعفر، وأبي عبد الله رضي الله تعالى عنهم، وإليه ذهب الأكثرون، وعن زيد بن أسلم وأختاره الجبائي وغيره أن هذا خطاب لولاة الأمر أن يقوموا برعاية الرعية، وحملهم على موجب الدين والشريعة، وعدوا من ذلك تولية المناصب مستحقيها، وجعلوا الخطاب الآتي لهم أيضا، وفي تصدير الكلام- بإن- الدالة على التحقيق، وإظهار الاسم الجليل، وإيراد الأمر على صورة الإخبار من الفخامة، وتأكيد وجوب الامتثال، والدلالة على الاعتناء بشأنه ما لا مزيد عليه، ولهذا ورد من حديث ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا إيمان لمن لا أمانة له».

وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربع إذا كن فيك فلا عليك فيما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة طعمة». وأخرج عن ميمون بن مهران «ثلاث تؤدين إلى البر والفاجر. الرحم توصل برة كانت أو فاجرة. والأمانة تؤدى إلى البر والفاجر. والعهد يوفى به للبر والفاجر»، وأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان». والأخبار في ذلك كثيرة.

٥ - وفي آخر آية في المقطع أي في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ ... يقول صاحب الظلال:

«هذه هي تكاليف الجماعة المسلمة؛ وهذا هو خلقها: أداء الأمانات إلى أهلها، والحكم بين «الناس» بالعدل، على منهج الله وتعليمه.

والأمانات تبدأ من الأمانة الكبرى .. الأمانة التي ناط الله بها فطرة الإنسان؛ والتي أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها «الإنسان» .. أمانة الهداية، والمعرفة، والإيمان بالله عن قصد وإرادة وجهد واتجاه. فهذه أمانة الفطرة الإنسانية خاصة. فكل ما عدا الإنسان ألهمه ربه الإيمان به. والاهتداء إليه، وعبادته، وطاعته. وألزمه طاعة ناموسه بغير جهد منه ولا قصد، ولا إرادة ولا اتجاه. والإنسان وحده هو الذي وكل إلى فطرته، وإلى عقله وإلى معرفته، وإلى إرادته، وإلى اتجاهه، وإلى جهده الذي يبذله للوصول إلى الله، بعون من الله: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا .. وهذه أمانة حملها وعليه أن يؤديها أول ما يؤدي من

الأمانات.

ومن هذه الأمانة الكبرى، تنبثق سائر الأمانات، التي يأمر بالله أن تؤدى: ومن هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>