للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الباطل، مع أن الله- عزّ وجل- أمرهم أن يكفروا بالطاغوت، وهو الباطل هنا، وهو كل ما خالف الكتاب والسنة، وما يفعلون ذلك إلا طاعة للشيطان الذي يريد إضلالهم الضلال البعيد. ثم أكمل الله- عزّ وجل- وصف حالهم بأنهم عند ما يدعون إلى كتاب الله وإلى رسول الله، لا يكون منهم إلا الإعراض الشديد. ثم قال الله مهددا مبينا أن هؤلاء المنافقين ستنزل بهم مصائب بسبب مواقفهم، وعندئذ يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم حالفين كذبا وزورا. وقد سيق هذا المعنى بعبارة مضمونها،

فكيف إذا ساقتهم المقادير إليك في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم، فاحتاجوا إليك فجاءوك يعتذرون إليك، ويحلفون ما أردنا بذهابنا إلى غيرك، وتحاكمنا إلى أعدائك إلا الإحسان والتوفيق، أي المداراة والمصانعة، لا اعتقادا منا صحة تلك الحكومة، وذلك دأب المنافقين يسيرون تحت لواء الكافرين. ثم يدعون أنهم فعلوا ذلك بقصد الإحسان والتوفيق. ولا تعبير يستطيع أن يحل محل اعتذار المنافقين بإرادتهم الإحسان والتوفيق في سيرهم مع الكافرين، أو في الرضوخ لحكمهم. كتعبيرهم ذلك في التغطية على فعلتهم.

ثم بين الله- عزّ وجل- لرسوله صلى الله عليه وسلم أن هذا الضرب من الناس هم المنافقون، والله يعلم ما في قلوبهم، وسيجزيهم على ذلك. فإنه لا تخفى عليه خافية، فاكتف بعلمه فيهم، فإنه عالم بظواهرهم وبواطنهم، فلا تعنفهم على ما في قلوبهم، وانههم بوعظك عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر، وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع لهم. وبهذا اكتملت هذه الصورة للمنافقين. وهي صورة لمن يرفض الاحتكام للكتاب والسنة، ويحتكم في شأنه إلى غيرهما، وما ينبغي أن يكون الموقف منهم. فدل على أن الاهتداء بكتاب الله، وقبول الاحتكام له، والخضوع لحكمه هو الذي يحدد تقوى الإنسان أو نفاقه.

ثم بين الله- عزّ وجل- أن ما أمر به من طاعته وطاعة رسوله هو الأصل الدائم عنده، فما أرسل رسولا إلا من أجل أن يطاع، ولا يطيع الرسل إلا من وفقه الله، ثم أرشد الله تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيستغفروا الله عنده، ويسألوه أن يستغفر لهم، فإنهم إذا فعلوا ذلك، تاب الله عليهم ورحمهم، وغفر لهم. ثم أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا إيمان حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له ظاهرا وباطنا، فكما تجب الطاعة الظاهرة، يجب الانقياد الباطني لحكمه بالتسليم الكلي من غير

<<  <  ج: ص:  >  >>