للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو ولي المؤمنين، يمتحنهم تارة ويديل عليهم، ويمتحنهم تارة بنصرهم، والفعل فعله.

وبعد أن صحح الله هذا التصور الكفري لهذا الموضوع المرتبط ارتباطا كاملا بموضوع الجهاد. إذ الجهاد قد يرافقه نصر، وقد يرافقه غير ذلك، وعلى المؤمنين في الحالين التسليم لله لا إلقاء اللوم على قيادتهم. بعد أن بين الله ذلك لفت النظر- في الوقت نفسه- إلى أنه وإن كان كل شئ فعله- إن أصاب بالسيئة من قحط أو هزيمة فذلك عدله، وإن أصاب بالحسنة فذلك فضله، لكنه إن أصاب الإنسان بسيئة فما ذلك إلا بذنب، وإن أصاب المجموع فقد يكون بذنب بعضهم، والله هو الذي قدر. وإذا كان الأمر كذلك فقد أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم من أجل أن يبلغ شرائعه، وما يحبه ويرضاه، وما يكرهه ويأباه. وهو شهيد على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى عباده بالبلاغ، والعمل، وكل شئ. وإذ كان الأمر كذلك فعلى الناس أن يجتهدوا ألا يذنبوا، وإذا أذنبوا، فلا يلومون إلا أنفسهم، مع معرفة أن الفعل فعل الله، وأن ذلك استحقاقهم، وأن عليهم أن يسلموا.

ثم بين تعالى أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعة لله، وهذا أكبر رد عليهم في دعواهم أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب المصائب! إذ سبب المصائب المعاصي لا الطاعات، فكيف تكون طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم سببا للمصائب، وطاعته طاعة لله! وقد رأينا أن طاعة الأمراء في ذات الله طاعة لله، ورسوله، ثم عزى الله رسوله ومن على قدمه بأنه من تولى عن الطاعة، وأعرض عنها، فالله هو الحفيظ عليه، وهو الذي يتولى أمره، وليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عليه من ذلك شئ، وإذ بين أن الطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم سبب الحسنات والخيرات والنصر، بين حالة من حالات المنافقين وسفهها، ودل رسوله صلى الله عليه وسلم على ما يفعله معهم مقابلة لها، هذه الحالة هي أن المنافقين يتظاهرون بالطاعة، والموافقة في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا خرجوا من عنده وتواروا عنه، أسروا فى أنفسهم، واتفقوا فيما بينهم على غير ذلك. وعزى الله رسوله، وهددهم بأنه يعلم بما يضمرونه، وما يخفونه، وما يتفقون عليه فيما بينهم من العصيان، وسيجزيهم على ذلك. ثم أمره أن يقابل ذلك بالإعراض عنهم، والتوكل على الله، فهما سلاحا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن على قدمه أمام عدم انضباط بعض المتظاهرين أنهم من الصف وفيه. وسبب مجئ هذه المعاني في سياق الأمر بالقتال، وفي سياق نفي أن تكون المصائب بسبب اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وموافقته، واضح، فلا قتال بلا طاعة وانضباط، ولا نصر إلا بطاعة وانضباط. ثم أنكر الله- عزّ وجل- حالهم مبينا أن سبب هذا الحال هو عدم تدبر

<<  <  ج: ص:  >  >>