للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن، وفهمه، وفقهه، والإيمان به، مع أن الدليل على أنه من عند الله، قائم به، من حيث إن كل كتاب بشري لا بد أن يظهر فيه شئ من الاضطراب، والتضاد والتناقض، إما مع نفسه، وإما مع الحقيقة. وهذا الكتاب سالم من الاختلاف في معانيه وأسلوبه، وغير ذلك، وكفى ذلك دليلا على أنه من عند الله، ومن الآية وسياقها نعلم أنه لا طاعة، ولا انضباط، ولا إيمان، إلا بتدبر لهذا القرآن. وفي عصرنا نعرف أهمية الحرب النفسية، وأهمية حرب الإشاعات، وتأثيرها على نفسية الأمة، ونفسية المقاتل، وفي هذا السياق، سياق الأمر بالقتال الجزئي، أو بالقتال الشامل، بالقتال على طريقة حرب العصابات، أو بالقتال على طريقة الحرب النظامية، ينكر الله- عزّ وجل- على من يبادر بنشر خبر قبل أن يتحقق، أو قبل أن يعرف محتواه ودلالاته، ويطالب المؤمنين أن يردوا أمثال هذه القضايا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى قياداتهم المؤهلة لمعرفة الأمور وحقائقها، من أجل أن يعرفوا دلالات ماله علاقة بهذه القضايا. والأمر بهذا- في الحقيقة- أمر بالثقة، وأمر بالتروي، وأمر بالتقيد

بالسياسة الرسمية للدولة المسلمة، وعقب هذا التنبيه، بين الله فضله على هذه الأمة، والذي من مظاهره حفظهم من اتباع الشيطان، وفي ذلك بشارة وإشارة: بشارة بحفظ أهل الإيمان، وإشارة إلى أن السير وراء الشائعات، ونشرها، وعدم إرجاعها إلى المختصين بها اتباع للشيطان.

رأينا في هذا المقطع أنه ابتدأ بتوجيه الأمر إلى المؤمنين أن ينفروا للقتال سرايا أو جيوشا، ثم صدر أمر بالقتال لمن يشتري الدنيا بالآخرة. والآن يصدر الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتال ولو منفردا، والأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم هنا، أمر لكل فرد من أمته، أنه لو نكلت الأمة كلها عن القتال، فعليه أن يقاتل هو، وأن يحرض المؤمنين على القتال، وبذلك يكون قد أسقط عن نفسه فريضة القتال، إذ بذلك يكون قد بذل جهده. ثم بين الله- عزّ وجل- أنه بذلك ينكف بأس الذين كفروا عن المؤمنين، مع أن الله قادر عليهم، وهو معذبهم، ومنكل بهم، ولكن شاء- عزّ وجل- أن يبتلي الناس بعضهم ببعض، فكلف المؤمنين بقتالهم. دل ذلك على أنه لا ينكف بأس الذين كفروا إلا بقتال.

وفي هذا السياق يذكر الله- عزّ وجل- ثلاث آيات، آية في الحض على الشفاعات في الخير، والنهي عن الشفاعات في الشر، والتذكير برقابة الله، وحفظه، ومحاسبته لخلقه، والآية الثانية في رد السلام على من سلم بأحسن منه، أو بمثله، مع التذكير بمحاسبة الله عباده. والآية الثالثة في التذكير بالوحدانية، وباليوم الآخر ومجيئه، وأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>