للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشدة. يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ أي: أضافوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزول الآية، وفي كل عصر يمكن أن ينسبها أمثالهم إلى وراثه صلى الله عليه وسلم والمعنى أن هؤلاء يعتبرون ما هم فيه من خير من الله، وهذا صحيح. وما يصيبهم من شدة، يعتبرون ذلك شؤما سببه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجواب: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. أي: كل ذلك من عند الله. فهو يبسط الأرزاق، ويقبضها. وكل شئ فعله. ثم أنكر الله- عزّ وجل- عليهم اعتقادهم هذا بقوله: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً. أي:

لا يكادون يفهمون حديثا، فيعلمون أن الله هو الباسط، القابض. وكل ذلك صادر عن حكمه.

ثم بين الله- عزّ وجل- تفصيل هذا الموضوع، بما يجمع ما بين معرفة الواقع: أن كل شئ صادر عن الله وبفعله، وأن لنزول المصائب التي ينزلها بعباده أسبابا مع أن الكل فعله. ولكن فعله لا يكون إلا مقرونا بالحكمة. فقال تعالى: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ. أي: من نعمة، وإحسان فَمِنَ اللَّهِ. تفضلا منه، وامتنانا. إذ لا أحد له عليه شئ. وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ. أي: من بلية ومصيبة، فَمِنْ نَفْسِكَ. أي: فمن عندك أي: فبما كسبت يداك أيها الإنسان. ومن هنا عرفنا خطأ أولئك. فبدلا من أن يرجعوا إلى الله رجوعا عاما، عن معاصيهم، ليرفع الله عنهم بأسه، أرجعوا سبب المصائب إلى وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم وهو الرحمة.

ولذلك ختمت هذه الآية بقوله تعالى: وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا: فأنت رحمة، وأنت معصوم، وأنت مبلغ، وعليهم أن يتركوا ما هم عليه مما يخالف رسالتك، لينالوا بر الله، وفضله، لا أن يعصوك، ثم يحملوك مسئولية ما ينزل عليهم. وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً. أي: على أنه أرسلك وهو شهيد أيضا، بينك، وبينهم. وعالم بما يكلفهم إياه. وبما يردون عليك من الحق؛ كفرا، وعنادا. وما أقل الفاهمين عن الله. وما أكثر المتقولين على الله. ولعلنا لا نحتاج إلى أي إيضاح إضافي حول ارتباط هذا المعنى الأخير بسياق مقطع القتال هذا. إذ من يقود المسلمين في صراعهم، وقتالهم، كثيرا ما ينسب إليه الذين في قلوبهم مرض مسئولية ما يصيبهم. وقد لا يكون هو السبب، وقد يكون أحيانا. ونحن نتكلم عن من يقود المسلمين قيادة راشدة، كوارث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا السياق- سياق القتال- يأتي الآن حديث عن الطاعة. ونحن نعلم أن كل من كتب في فن الحرب، من كافر، أو مسلم يجمع على أن أي جيش في العالم، لا يستطيع أن يربح معركة، ولا تستطيع أمة أن تربح في أي مجال من مجالات الحياة، إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>