للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلامي، بين الطريق العملي، والموقف الصحيح من هذه الإشاعات، فقال:

وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ. أي: ولو ردوا الخبر أو الإشاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، وكبار أصحابه البصراء في الأمور في زمانه، أو لو ردوه إلى خلفائه، وأمراء المسلمين من بعده لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ. أي: لعلم تدبير ما أخبروا به الذين يستخرجون تدبيره، وما ينبغي فعله ممن عندهم قدرة على ذلك بفطنتهم، وتجاربهم، ومعرفتهم بأمور الحرب ومكايدها. دلت الآية على أن هناك أناسا عندهم قدرة على الاستنباط للحلول والأحكام لما يجد أو يحدث، أو يقع. وقد فسرنا الآية بما مر، وهو أحد اتجاهين في تفسيرها، فعلى هذا الاتجاه الذي ذكرناه، هي في الإشاعات التي تصل إلى المجتمع الإسلامي بشكل من الأشكال، مما يخدم مصلحة العدو، وعلاج ذلك هو ترك أمر معالجة هذه الإشاعات إلى أمراء المسلمين، وإهمال الإشاعة، وعدم التحدث عنها، وفي ذلك إماتتها. وفي قوله تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إشارة إلى أن إبلاغ الإشاعة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلى أولي الأمر لا مانع منه، ولكن إشاعة الأمر وتداوله هو الخطأ. وهناك اتجاه آخر في تفسير الآية وهو كذلك قضية ينبغي أن تلاحقها الجماعة المسلمة، هذا الاتجاه هو: أن بعضهم كانوا يقفون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولي الأمر على أمن ووثوق بالظهور على بعض الأعداء، أو على خوف واستشعار فيذيعونه فينتشر، فيبلغ الأعداء، فتعود إذاعة الخبر الفاسد بالشر، ولو ردوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى أولي الأمر منهم، وفوضوه إليهم، وكانوا كأن لم يسمعوا، لأعطوا الذين يدبرون الأمور ويديرونها، ويخططون لها، فرصة الإدارة الصالحة، فيعرفون ما يأتون وما يذرون. وهذا اتجاه في التفسير ينبغي أن يلاحظ تطبيقه. والنبط: هو الماء الذي يخرج من البئر أول ما تحفر، واستنباطه استخراجه، فاستعير لما يستخرجه الرجل بفضل ذهنه من المعاني والتدابير فيما يفعل. وبعد أن ذكر الله- عزّ وجل- هذه القضية المهمة في شأن القتال، ذكر أن الاستعداد النفسي عند الإنسان يوصله لاتباع الشيطان في هذه القضايا وغيرها، لولا أن الله قضت حكمته أن يتدارك المسلمين بفضله، ويتولاهم، وفي ذلك إشارة إلى أن نشر الإشاعات من الشيطان، وفي ذلك إشارة إلى ضرورة الشعور بفضل الله ورحمته، والتوكل عليه، لأنه مولى المؤمنين، وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بتزكيته لكم وَرَحْمَتُهُ بإرسال رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنزال كتابه، وحفظه لكم، لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ فيما يوسوس إِلَّا قَلِيلًا. أي:

إلا قليلا منكم، وهم من صفت فطرتهم، بما فطرهم الله عليه من كمال عقل. وقال ابن

<<  <  ج: ص:  >  >>