للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه خير كان له نصيب من ذلك الخير، وقد ثبت في الصحيح عنه (عليه الصلاة السلام) أنه قال: «اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء». قال مجاهد ابن حبير: نزلت هذه الآية في شفاعات الناس بعضهم لبعض. وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً. الشفاعة السيئة: ما كانت في جلب ضر، أو دفع نفع، أو كانت غير جائزة شرعا. يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها. أي: يكن عليه نصيب من إثمها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً. أي: مقتدرا من أقات على الشئ: اقتدر عليه، أو حفيظا من القوت، لأنه يمسك النفس، والحفيظ: شهيد وحسيب. فما محل هذه الآية في السياق؟ قال النسفي: قال ابن عباس- أي في هذه الآية- ما لها مفسر غيري.

معناه: من أمر بالتوحيد وقاتل أهل الكفر «أي: فقد شفع شفاعة حسنة». وإنما نقلنا كلام ابن عباس هذا ليعلم أن من المفسرين من فهم هذه الآية على ضوء السياق. وعلى هذا فإن ابن عباس يفهم أن الشفاعة الحسنة هي القتال في سبيل الله، وذلك لأنها وحدها تنقذ المستضعفين وأمثالهم. وأن الشفاعة السيئة هي القتال في سبيل الشيطان؛ لما يترتب عليه من ظلم لأهل الإيمان. ويمكن أن نفهم الصلة بين هذه الآية وما قبلها من حيث إن القتال يترتب عليه أسر، أو سجن، أو مصائب لأهل الإيمان، أو لأهليهم،

فجاءت الآية تحض من يستطيع الشفاعة أن يشفع.

وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها. أي: إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه أفضل مما سلم، أو ردوا عليه بمثل ما سلم، فالزيادة مندوبة، والمماثلة مفروضة. وفسرت التحية بالسلام لأنها هي التحية في ديننا في الدنيا وفي الآخرة. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً.

أي: يحاسب على كل شئ من التحية وغيرها. والآن، ما الصلة بين هذه الآية وسياقها؟ يقول صاحب الظلال: لعل المراد منها أن يشار إلى قاعدة الإسلام الأساسية: السلام .. فالإسلام دين السلام وهو لا يقاتل إلا لإقرار السلام في الأرض بمعناه الواسع الشامل، السلام الناشئ عن استقامة الفطرة على منهج الله».

ومما يمكن أن يقال عن الصلة: الإسلام أمرنا أن نعامل بعضنا البعض بمكارم الأخلاق، ومن ذلك إفشاء السلام لما يترتب على ذلك من محبة. قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه أبو داود «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم». ووجود المحبة داخل المجتمع الإسلامي شرط أساسي لإمكانية القتال، ومن مظاهر الصلة بين هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>