للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلام، وإن لم يسلموا لم تخشن قلوب قومك عليهم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد خالد بن الوليد فقال: «اذهب معه، فافعل ما يريد». فصالحهم خالد على أن لا يعينوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن أسلمت قريش، أسلموا معهم ... ».

ونحب أن نشير هنا إلى أن هاتين الصورتين المستثنيتين هنا، إنما تتصوران في المنافقين الموجودين خارج دار الإسلام، أو خارج دولته، والله أعلم. ولنلاحظ أن من لم يربط مصيره بمواقف المسلمين فإن النص يعامله كمنافق.

ثم بين الله- عزّ وجل- المنة، والحكمة في هذا الحكم، وفي وجود هذا الصنف من الناس، فقال: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ. أي: من لطف الله بكم أن كفهم عنكم، وإلا فلو شاء الله لقوى قلوبهم، وأزال عنها الحصر، فقاتلوكم.

ثم أكد الله- عزّ وجل- استثناء الأمر بقتالهم بقوله: فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ. أي: فإن لم يتعرضوا لكم بقتال. وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ. أي:

وأعطوكم السلام والمسالمة. فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا. أي: طريقا إلى القتال. أي: فليس لكم أن تقاتلوهم ما دامت حالهم كذلك.

في هذه الآية ذكر الله- عزّ وجل- حالتين، استثناهما من الأمر بالقتال. وتأتي الآن آية فيها صورة داخلة في الأمر بالقتال. هي من حيث الظاهر، تشبه الصورة الأخيرة الواردة في الآية السابقة. ولكنها تختلف عنها في الحقيقة.

سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ. هؤلاء في الظاهر كما قلنا، يشبهون المذكورين في الآية السابقة. ولكنهم في الواقع غيرهم. فإن هؤلاء قوم منافقون، يظهرون للنبي صلى الله عليه وسلم، ولأصحابه الإسلام، ليأمنوا بذلك عندهم على دمائهم، وأموالهم، وذراريهم.

ويصانعون الكفار في الباطن. فيعبدون معهم ما يعبدون ليأمنوا بذلك عندهم. وهم في الباطن مع الكافرين. فالأولون إذن، مخلصون في موقفهم المحايد. أما هؤلاء، فهم في الحقيقة مع الكافرين، ويتظاهرون أمام المؤمنين بغير ذلك، بدليل تتمة الآية: كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها. أي: إذا ردهم قومهم إلى الافتتان عن الإسلام، بإظهار الشرك، والكفر، يفعلون، وينهمكون، ويزيدون على ذلك أن يصانعوا قومهم، فيؤذوا المسلمين، ويقاتلوهم، ويقتلوهم، قال النسفي: أي كلما دعاهم قومهم إلى قتال المسلمين قلبوا فيها أقبح قلب وأشنعه، وكانوا شرا فيها من كل عدو.

هؤلاء أمر الله- عزّ وجل- المسلمين أن يوقفوهم عند حدهم فقال: فَإِنْ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>