للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالتسويف والتأخير، ويغرهم من أنفسهم، ويزين لهم تحريم ما أحل الله، وتغيير خلق الله بارتكاب ما حرم، كالوشم والنمص وخصي الإنسان، وغير ذلك. ثم بين الله- عزّ وجل- أن من يتخذ الشيطان وليا مطاعا معبودا، فإنه قد خسر الدنيا والآخرة، وتلك خسارة لا جبر لها، ولا استدراك لفائتها. ثم بين الله- عزّ وجل- طريق الشيطان في الإضلال، وهو أن الشيطان يعد أولياءه ويمنيهم بأنهم هم الفائزون في الدنيا والآخرة، وقد كذب وافترى في ذلك. ولذلك بين الله- عزّ وجل- أن وعد الشيطان أولياءه إنما هو هباء، ثم بين الله- عزّ وجل- جزاء المستحسنين لإغواء الشيطان ووعوده ومناه، وأن هذا الجزاء هو جهنم، فهي مصيرهم ومآلهم يوم القيامة، وأنه ليس لهم عنها مندوحة، ولا مصرف، ولا خلاص ولا مناص.

فالشرك إذن يسبب الانحراف عن الحق، وأن الشرك في حقيقته عبادة للشيطان وطاعة له في دعوته، ومجئ هذه المعاني في سياق الأمر بالحق والعدل واضح. إذ لا عدل ولا حق مع الشرك واتباع الشيطان. وإذ ذكر حال الأشقياء في الآخرة، قفى بحال المؤمنين الذين صدقت قلوبهم، وعملت جوارحهم بما أمروا به من الخيرات، وتركوا ما نهوا عنه من المنكرات بأن جزاءهم الخلود الأبدي في جنات تجرى من تحتها الأنهار، ذلك وعد الله لهم، ووعد الله معلوم حقيقة أنه واقع لا محالة، إذ هو أصدق الصادقين، فلا أحد أصدق منه قولا وخبرا ووعدا. ومجئ هذه الآية في سياق الدعوة إلى الحق والعدل واضح، إذ بدون الإيمان، والعمل الصالح، والثقة بوعد الله في الآخرة، لا يستطيع إنسان أن يثبت على الحق والعدل، وإذ كان كل أهل دين يدعون أنهم أهل الحق، وأن الجنة لهم دون غيرهم، وحتى بعض المسلمين يعيشون على الأماني، فيتصورون أن الجنة لهم بلا عمل، قرر الله- عزّ وجل- أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال. وليس كل من ادعى شيئا حصل له بمجرد دعواه، ولا كل من قال إنه على الحق سمع قوله بمجرد ذلك، حتى يكون له من الله برهان، فليست النجاة بمجرد التمني، بل العبرة بطاعة الله سبحانه، واتباع ما شرعه على ألسنة الرسل الكرام، وأن القاعدة عند الله أن من يعمل سوءا يجازيه به.

ولا يستطيع أحد أن يحول بين الله وبين مجازاته، فينصره أو يدفع عنه. ولما ذكر الله الجزاء على السيئات، وأنه سيأخذ مستحقها من العبد، إما في الدنيا وهو الأجود له، نسأل الله العافية- وإما في الآخرة والعياذ بالله من ذلك، شرع في بيان إحسانه وكرمه ورحمته في قبول الأعمال الصالحة من عباده، ذكورهم وإناثهم بشرط الإيمان، وأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>