للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولولا عصمة الله وحفظه ولطفه لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ. أي: من الناس أَنْ يُضِلُّوكَ. أي: عن القضاء بالحق وتوخي طريق العدل وجعلك تدافع عن العصاة.

وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ بمحاولتهم، وهمهم وتبييتهم لأن وبال ذلك عليهم. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمحفوظ بحفظ الله، وكذلك من كان على قدمه، مع فارق العصمة فهو عليه الصلاة والسلام معصوم، ومن على قدمه تحتمل في حقه الزلة. وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ إن وقفت عند حدود الله، وعملت بما ظهر لك، ولم يخطر ببالك أن الحقيقة على خلاف ذلك. وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ يا محمد الْكِتابَ.

أي: القرآن وَالْحِكْمَةَ. أي: السنة. وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ. أي: من أمور الدين والشرائع. وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً. أي: فيما علمك وأنعم عليك، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، خطاب لأمته، فهذا الفضل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورثته عنه أمته.

[فوائد]

١ - شرحنا هذه الآيات بما يقتضيه عمومها، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ولكن سبب النزول يساعد على فهم النص، لأنه يكون مثالا على ما يمكن أن يدخل في النص مع بقاء عموم اللفظ على حاله، وقبل أن نذكر أسباب نزول هذه الآيات في فائدة لاحقة، نحب هنا أن ننبه على أن مما يدخل تحت عموم هذه الآيات بطريق الأولى في عصرنا صنعة المحاماة التي هي في كثير من أحوالها دفاع عن العصاة والخائنين، ومما يدخل تحت هذا العموم، الدفاع عن أي مذنب وعاص، وخائن لله ورسوله وجماعة المسلمين في أمر ما.

٢ - قوله تعالى: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ احتج به من ذهب من علماء الأصول إلى أنه كان صلى الله عليه وسلم له أن يحكم بالاجتهاد بهذه الآية، وبما ثبت في الصحيحين «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته، فخرج إليهم فقال: ألا إنما أنا بشر، وإنما أقضي بنحو مما أسمع، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو ليذرها».

٣ - وفي سبب نزول الآيات السابقة، وآيتين بعدها، يروي الترمذي وابن جرير عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال: «كان أهل بيت منا يقال لهم: بنو أبيرق، بشر، وبشير، ومبشر، وكان بشير رجلا منافقا يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول

<<  <  ج: ص:  >  >>