للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المؤمنون بالله منذ فجر التاريخ. في كل أرض، وفي كل جيل. وليست الأمة مجموعة الأجيال من القدم، ولا المجتمعين في حيز من الأرض في جيل من الأجيال!.

٢ - قال تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ عند قوله تعالى: إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ يقول الألوسي:

«والمراد من المماثلة في الجزاء المماثلة في الإثم لأنهم قادرون على الإعراض والإنكار، لا عاجزون كما في مكة، أو في الكفر على معنى إن رضيتم بذلك، وهو مبني على أن الرضا بكفر الغير كفر من غير تفصيل، وهي رواية عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه عثر عليها صاحب الذخيرة.

وقال شيخ الإسلام خواهرزاده: الرضا بكفر الغير إنما يكون كفرا إذا كان يستجيز الكفر، أو يستحسنه، أما إذا لم يكن كذلك، ولكن أحب الموت أو القتل على الكفر لمن كان مؤذيا حتى ينتقم الله تعالى منه فهذا لا يكون كفرا، ومن تأمل قوله تعالى في سورة يونس: رَبَّنَا اطْمِسْ الآية يظهر له صحة هذه الدعوى. وهو المنقول عن الماتريدي، وقول بعضهم: إن من جاءه كافر ليسلم فقال: اصبر حتى أتوضأ، أو أخره يكفر لرضاه بكفره في زمان، موافق لما روي عن الإمام لكن يدل على خلافه ما روي من الحديث الصحيح في فتح مكة أن ابن أبي سرح أتى به عثمان رضي الله تعالى عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بايعه فكف صلى الله عليه وسلم يده ونظر إليه ثلاث مرات وهو معروف في السير، وهو يدل بظاهره على أن التوقف مطلقا ليس- كما قالوه- كفرا.

واستدل بعضهم بالآية على تحريم مجالسة الفساق والمبتدعين من أي جنس كانوا، وإليه ذهب ابن مسعود، وإبراهيم، وأبو وائل، وبه قال عمر بن عبد العزيز، وروى عنه هشام بن عروة أنه ضرب رجلا صائما كان قاعدا مع قوم يشربون الخمر، فقيل له في ذلك: فتلا الآية، وهي أصل لما يفعله المصنفون من الإحالة على ما ذكر في مكان آخر، والتنبيه عليه والاعتماد على المعنى، ومن هنا قيل: إن مدار الإعراض عن الخائضين فيما يرضي الله تعالى، هو العلم بخوضهم، ولذلك عبر عن ذلك تارة بالرؤية وأخرى بالسماع، وأن المراد بالإعراض إظهار المخالفة بالقيام عن مجالستهم، لا الإعراض بالقلب أو الوجه فقط، وعن الجبائى أن المحذور مجالستهم من غير إظهار كراهة لما يسمعه أو يراه.

<<  <  ج: ص:  >  >>