للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووصف كتابه حق وصفه مما يستدعي عند أهل الإنصاف الإيمان بسبب هذا الكمال الذي لا يشك معه أنّ محمدا رسول الله، وأن القرآن كتاب الله، بعد أن بيّن هذا، حكم بكفر النّصارى في ادّعائهم في المسيح ابن مريم- وهو عبد من عباد الله وخلق من خلقه- أنّه هو الله، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، ثمّ أخبر تعالى عن قدرته على الأشياء كلها، وكونها تحت قهره وسلطانه بأنه لو أراد إهلاك المسيح وأمّه وأهل الأرض كلهم فمن ذا الذي كان يمنعه من ذلك؟ أو من ذا الذي يقدر على صرفه؟ وإذ كان الأمر كذلك فهو وحده الربّ والإله. ثم أخبر تعالى أن جميع الموجودات ملكه وخلقه، وهو القادر على ما يشاء، لا يسأل عمّا يفعل لقدرته وسلطانه وعدله وعظمته، وهل المسيح وأمه إلا من جملة ملكه فأنى يكون إلها؟ ثم ردّ على اليهود والنّصارى ادّعاء كلّ منهم أنّهم أبناء الله، وأنّ له بهم عناية، وأنّه يحبهم بحكم انتساب كلّ منهم إلى من هو حبيب لله. فردّ الله عليهم ذلك، بأنّه لو كنتم كما تدّعون فلم يعذّبكم في الدنيا؟ وأعد لكم نار جهنّم على كفركم وكذبكم وافترائكم؟ ثم بيّن الله- عزّ وجل- أنّهم ليسوا إلا بشرا من البشر، وأن إليه أمر العذاب والغفران، وأنّه ينال غفرانه بسلوك طريق ذلك، ثم بيّن أنّ الكون كله ملكه، وتحت قهره وسلطانه، وأنّ إليه المرجع والمآب، فلا فرار منه إلا إليه باتّباع رسوله صلّى الله عليه وسلّم وقرآنه.

ثمّ خاطب مرة ثانية أهل الكتاب بعد تبيانه هذه المعاني كلها، مبيّنا أنّه قد أرسل إليهم رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلّم خاتم النبيّين، الذي لا نبيّ ولا رسول بعده، بل هو المعقّب لجميعهم، أرسله بعد مدة متطاولة بينه وبين آخر رسول بعث قبله وهو عيسى، أرسله بعد طموس السبل وتغير الأديان، وكثرة عبادة الأوثان والنّيران والصّلبان. فكانت النّعمة به أتمّ النّعم، والحاجة إليه أمر عمم، فإنّ الفساد كان قد عمّ جميع البلاد، والطغيان والجهل قد ظهر في سائر العباد، إلا قليلا من المتمسكين ببقايا الأنبياء الأقدمين، وكان الدّين قد التبس على أهل الأرض كلهم، حتّى بعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم؛ فهدى الخلائق، وأخرجهم الله به من الظّلمات إلى النّور، وتركهم على المحجّة البيضاء، والشّريعة الغراء من أجل ألا يحتج من بدّل وغيّر. بأنه ما جاءه من رسول يبشّر بدين الله، وينذر من مخالفة دينه. فها قد جاء البشير والنذير محمّد صلّى الله عليه وسلّم، والله سيتولى عقوبة من خالفه وعصاه، وثواب من أطاعه.

وبهذا تنتهي الفقرة الأولى من هذا المقطع والسؤال الآن هو:

<<  <  ج: ص:  >  >>