للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا اتضح هذا المعنى فلنتذكر: أنّ محور سورة المائدة هو آيتا سورة البقرة إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ*.

وعلى هذا فمحور سورة المائدة يتضمّن خطين: الخط الأول: الأوامر التي لو أطاعها الإنسان ينال الهداية. الخط الثاني: الأشياء التي إذا أخلّ بها الإنسان استحقّ الضّلال من مثل نقض الميثاق، والفساد في الأرض، وقطع ما أمر الله به أن يوصل ومن ثمّ كان فهم سورة المائدة والتخلق والتحقق بما طولبنا به فيها من الأهمية بالمكان العظيم وقدر رأينا فى سورة البقرة أن استحقاق الضلال بثلاثة:

١ - بنقض الميثاق. ٢ - بقطع الصلة اللّازمة. ٣ - بالإفساد في الأرض. وقد جاء المقطع الأول يأمر بالوفاء بالعقود. وجاء المقطع الثاني يبيّن عاقبة نقض المواثيق في فقرته الأولى. وعاقبة نقض نوع منها في فقرته الثانية، وأما الفقرة الثالثة فإنّ فيها بيانا لأفظع أنواع الإفساد في الأرض، وهو القتل. وهكذا يمضي السياق مربيّا ومنفّرا ضمن محور خاص، وعلى نسق محدّد، ولننتقل إلى استعراض المعاني العامّة للفقرة الثالثة:

أخبرنا تعالى في الفقرة الثالثة عن قابيل وهابيل ولم يسمّهما- ولكن ذكر غير واحد من السلف والخلف أنهما المرادان هنا- وكيف عدا أحدهما على الآخر فقتله بغيا عليه وحسدا له فيما وهبه الله من النّعمة وتقبل القربان الذي أخلص فيه لله- عزّ وجل-، ففاز المقتول بوضع الآثام، والدّخول إلى الجنة، وخاب القاتل ورجع بالصفقة الخاسرة في الدارين، وكان من خبرهما فيما ذكره غير واحد من السّلف والخلف: إنّ الله تعالى شرع لآدم عليه السلام أن يزوّج بناته من بنيه لضرورة الحال، ولكن قالوا كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى فكان يزوّج أنثى هذا البطن لذكر البطن الآخر، وكانت أخت هابيل دميمة، وأخت قابيل وضيئة، فأراد أن يستأثر بها على أخيه، فأبى آدم ذلك إلا أن يقرّبا قربانا، فمن تقبّل منه فهي له فتقبّل من هابيل ولم يتقبل من قابيل، فكان من أمرهما ما قصّه الله في كتابه، إذ أمر رسوله أن يقصّ خبر ابني آدم هذين على الأمر الذي لا لبس فيه ولا كذب، ولا وهم ولا تبديل، ولا زيادة

<<  <  ج: ص:  >  >>