للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - [بعض ما ورد في التوراة عن الرجلين اللذين يخافان وقد أنعم الله عليهما]

ينقل المفسرون في هذا المقام كلاما كثيرا، منه الخياليّ، ومنه الذي له أصل في كتب بني إسرائيل؛ مما يدلّ على أن علماءنا قد اطلعوا اطّلاعا متينا على كتب بني إسرائيل، والأصل الذي يمكن أن يكونوا قد نقلوا عنه هو كتب العهد القديم، أو التلمود. وهذه القصّة مذكورة في التوراة الحالية، في سفر العدد (الإصحاح الثالث عشر، والإصحاح الرابع عشر) ويشار إلى هذا الموضوع كثيرا في بقية التوراة، وتسمّي التوراة الحالية الرجلين المذكورين في القرآن وهما كالب بن يفنّة، ويشوع بن نون، ومما ورد في (الإصحاح الرابع عشر) «وبنوكم يكونون رعاة في القفر أربعين سنة ويحملون فجوركم حتى تفنى جثثكم في القفر» وفي أواخر سفر العدد، وفي سفر التثنية، قصة التيه، وما كان لهم فيه. ومن كلام موسى عليه السلام في التثنية (الإصحاح التاسع والعشرين). «فقد سرت بكم أربعين سنة في البريّة لم تبل ثيابكم عليكم ونعلك لم تبل على رجلك» وفي الإصحاح الحادي والثلاثين «وأوصى (أي موسى) يشوع بن نون وقال تشدّد وتشجّع لأنك أنت تدخل ببني إسرائيل الأرض التي أقسمت لهم عنها وأنا أكون معك» وتحدّد التوراة الحالية المكان الذي كان فيه التّيه وتشير إشارات إلى طبيعة التيه من مثل ما ذكر في سفر التثنية الإصحاح الثاني: «ثمّ تحوّلنا وارتحلنا إلى البريّة على طريق بحر سوف، كما كلّمني الرب، ودرنا بجبل سعير أياما كثيرة ثم كلّمني الرّبّ قائلا كفاكم دوران بهذا الجبل تحوّلوا نحو الشمال ... » وفي الإصحاح نفسه «الآن قوموا واعبروا وادي زارد. فعبرنا وادي زارد والأيام التي سرنا فيها من قادش برنيع حتى عبرنا وادي زارد كانت ثماني وثلاثين سنة حتى فني كل الجيل رجال الحرب من وسط المحلة ... ».

وإذا لم يكن عندنا عن رسولنا عليه الصلاة والسلام تفصيل في هذه الأمور فإننا نكتفي بالإحالة على ما يمكن أن يكون مصدرا، مع المعرفة بحاله من احتمال التغيير والتبديل كما ذكرنا في سورة البقرة، والرجلان اللذان ذكرهما القرآن كانا اثنين من اثني عشر رجلا على عدد أسباط بني إسرائيل أرسلهم موسى عليه السلام، ليتجسسوا الأرض، ويعرفوها فثبط العشرة، وقال يوشع وكالب قولة الحق فكافأهما الله بأن كانا الوحيدين اللذين عاشا ليريا الفتح، وكافأ الله كلا منهما مكافأة خاصة. أما يوشع فكان خليفة موسى عليه السلام وكان على يده الفتح وأما كالب فقد كوفئ مكافئات تذكرها التوراة، ومن قارن بين موقف أصحاب موسى عليه السلام

وأصحاب رسولنا صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر- كما سترى- عرف الفضل لأهله، والحكمة في عقوبتهم بالتيه أربعين

<<  <  ج: ص:  >  >>