للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: يا محمد أحسن في مواليّ، قال: فأعرض عنه، قال: فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أرسلني». وغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى رأوا لوجهه ظللا، ثم قال: «ويحك أرسلني». قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة، إني امرؤ أخشى الدوائر، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«هم لك». قال محمد بن إسحاق، فحدثني أبا إسحاق بن يسار عن عبادة بن الوليد بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تشبّث بأمرهم عبد الله بن أبي وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وكان أحد بني عوف بن الخزرج- له من حلفهم مثل الذي لعبد الله بن أبي- فجعلهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتبرّأ إلى الله ورسوله من حلفهم، وقال: يا رسول الله أبرأ إلى الله وإلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم من حلفهم، وأتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم، ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت الآيات في المائدة. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ. بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إلى قوله وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ. وروى الإمام أحمد .. عن أسامة بن زيد قال:

دخلت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عبد الله بن أبي نعوده، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «قد كنت أنهاك عن حب يهود». فقال عبد الله: فقد أبغضهم أسعد

بن زرارة فمات.

وكذا رواه أبو داود من حديث محمد بن إسحاق». يقصد عدو الله أن يردّ على قول الرسول عليه الصلاة السلام بأن أسعد بن زرارة قد أبغضهم سماعا لأمرك، فلم يغن عنه ذلك شيئا وها قد مات فلم تنهاني عنهم؟

بعد ذكر أسباب النزول هذه نستطيع أن نقول: إن للنّفاق مظاهر متعددة متجدّدة، فللنفاق مظاهره عند ما تكون الدولة للمسلمين. وللنفاق مظاهره عند ما تكون الدولة للكافرين، وللنفاق مظاهره عند ما تكون المسألة بين بين، أو تحتمل وتحتمل. وفي أسباب النزول المارّة مظهر من مظاهر هذا النفاق في حالة من الحالات.

والأصل الذي ينبغي أن نعرفه أن النفاق مرض في القلب يصيب الإنسان كما يصيبه الكفر أو الحسد أو الحقد أو الغل أو الكبر، وأنّ المظهر الرئيسي لهذا المرض هو الولاء للكافرين والمنافقين، هذا الولاء يكون خفيا أحيانا، ويكون ظاهريا أحيانا، ويكون بشكل ويكون بآخر على حسب الأحوال، ولا بد أن نلاحظ في أنفسنا أنّ من واجبنا أن

<<  <  ج: ص:  >  >>