للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نطهّر هذه الأنفس من النفاق بالسلوك الحقيقي لطريق الإيمان، وأن نقطع كل معنى من معاني الولاء في أنفسنا لأعداء الله، وكذلك علينا أن نلاحظ في عملية التربية للمسلمين أن نعمّق قضية الإيمان في أنفسهم، وأن نحرّر هذه الأنفس من كل مظاهر الولاء المنحرف.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ. أي: من يرجع منكم عن دين الإسلام إلى ما كان عليه من الكفر فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ.

أي: يرضى أعمالهم ويثني عليهم بها، ويطيعونه ويؤثرون رضاه، ويسيرون في الطرق المؤدية إلى محبته، ويتخلون عن الطرق التي تؤدي إلى ما يبغض أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الأذلة جميع ذليل، والذليل بيّن الذّل، وقد قال تعالى: أذلة على المؤمنين، ولم يقل أذلة للمؤمنين ليضمّن الذّل معنى الحنو والعطف، كأنه قيل عاطفين عليهم على وجه التّذلل والتواضع، وهذه الذّلّة ذلة الولد لوالده وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ (الإسراء: ٢٤) فهي أثر عن الرحمة، ولذلك وصف الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (الفتح: ٤٩) أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ. أي: أشداء عليهم، والعزاز الأرض الصلبة، فهم مع المؤمنين كالولد لوالده، والعبد لسيده، ومع الكافرين كالسبع على فريسته يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بقتال أعدائه وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ. أي: يجاهدون وحالهم في الجهاد خلاف حال المنافقين، لأن المنافقين لا يعملون شيئا يعلمون أنهم بسببه يلحقهم لوم من جهة الكافرين، أمّا المؤمنون فصفتهم الجهاد في سبيل الله، وهم صلّاب في دينهم إذا شرعوا في أمر من أمور الدين، لا تروعهم لومة لائم، لا تؤثر فيهم، ولا تمنعهم عن المضيّ فيه. واللّومة: المرّة من اللوم، وفي تنكير اللومة ولائم مبالغتان، فكأنه قيل لا يخافون شيئا قط من لوم واحد من اللوّم، وفي عصرنا حيث تزداد حملات الإعلام العالمي ضد الجهاد وأهله، يدرك المسلم ضرورة التحقق بهذه الصفة. وفي عصرنا- عصر ضعف المسلمين- إذ يفرض الضعف منطقه على الكثيرين، فيلومون من جاهد، ندرك ضرورة التحقق بهذه الصفة ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ هذا إشارة إلى ما وصف به القوم من المحبة والذلة والعزة والمجاهدة، وانتفاء خوف اللومة وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ومن سعته كثرة إفضاله، ومن علمه أن يعطي هذه الصفات لمن هو أهلها.

وبعد أن ذكر في بداية هذا المقطع من تجب معاداته يذكر الآن من تجب موالاته فقال: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ إنما تفيد الاختصاص أي: المذكورون وحدهم يخصّون بالموالاة وتجب لهم. ولم يجمع الولي وإن

<<  <  ج: ص:  >  >>