للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعرف أن فيما ذكر في القرآن ما نعرف به حكم كل جزئية في هذه الديانات، بحيث يعرف الإنسان حكم الله فيها، إنّ كثيرا ممّا قاله النصارى في شأن المسيح عليه السلام، قاله البوذيون في شأن بوذا، فمن عرف الحكم في هؤلاء، عرفه في هؤلاء، ومن عرف بم أقيمت به الحجة على هؤلاء، عرف كيف يقيم الحجة على هؤلاء.

ولعل التركيز الأكبر الذي نراه على الديانتين اليهودية والنصرانية يعود إلى أنّ ما عند هؤلاء أكثر إيهاما للإنسان، ومن ثمّ فإنّه يمكن أن يكون أشد إضلالا، فإذ تقوم الحجة عليهما فإنّها على غيرهما أكثر إلزاما، وسنرى أمثلة ذلك فيما بعد ممّا يؤكد ما ذكرناه من أن ما ذكر في القرآن كاف في الرّد على ما لم يذكر، ومن هذا وغيره تتأكد عالمية القرآن، وهذا وحده كاف للدلالة على أن القرآن ليس وليد بيئة، بل هو كتاب الله عزّ وجل.

[كلمة أخيرة في سورة المائدة]

بدأنا بعرض سورة المائدة على أنّها مقاطع، وانتهينا على أنهّا أقسام، كل قسم يضمّ أكثر من مقطع، وقد رأينا أدلّة ذلك، ورأينا أنّ سورة المائدة تتألّف من ثلاثة أقسام وخاتمة: القسم الأول: ويتألف من ثلاثة مقاطع، كان التركيز فيها بشكل مباشر أو ضمني على الوفاء بالعهود، وعلى وصل ما أمر الله به أن يوصل، وعلى النهي عن الإفساد في الأرض، وفيها تحدّد طريق الهداية، وطريق الضلال ثم جاء القسم الثاني:

وقد ابتدأ بالنهي عن الحزن على الذين يسارعون في الكفر، وفيه تعمّقت معرفة طرق الضلال، وعمّق موضوع الالتزام بالكتاب، وموضوع وصل ما أمر الله به أن يوصل، وقطع ما أمر الله به أن يقطع، وقد شمل القسم الثاني مقطعين، ثمّ جاء القسم الثالث:

آمرا بالبلاغ، معتمدا على ما ورد في القسمين الأولين، وقد جاء القسم الثالث على مقطعين: المقطع الأول في بلاغ أهل الكتاب، والمقطع الثاني في بلاغ أهل الإيمان، ثمّ جاءت الخاتمة فنقلتنا مباشرة إلى نتيجة البلاغ من خلال عرض مشهد من مشاهد يوم القيامة إذ يسأل الله- عزّ وجل- الرّسل عن موقف أقوامهم من البلاغ، ويخص عيسى عليه السلام بالحوار ليخدم الحوار موضوع البلاغ في القسم الثالث وما سبقه مما له علاقة في موضوعه، وبهذا تكون سورة المائدة قد عرّفتنا على الفسوق، والخسران، وعلى ما يقابل ذلك، وعرّفتنا على ما به يستحق أحد الهداية أو الضلال، وعرّفتنا على المواثيق التي لا ينبغي أن تنقض، وعلى ما به تنقض وعلى ما أمر الله به أن يوصل، وعلى

<<  <  ج: ص:  >  >>