للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يصيب أحدا بخير فإنّه القادر على كل شئ. ومجئ الآية الأخيرة في سياق الأمر بالتّبليغ والأمر بالإعلان واضح الحكمة؛ إذ قد يترتب على البيان أو الإعلان ضرر، فوضّح أنّ النّفع والضر بيد الله وحده، فليطمئن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن بعده المؤمنون.

ومن خلال هذه المعاني ندرك كيف أنّ المقطع عرّفنا على الله، وناقش الكفرة ولفت نظر الكافرين ليعتبروا، وردّ على اقتراح من مقترحاتهم، وأمر رسوله أن يبلغهم معاني، وأن يعلن لهم مواقف، وطمأنه على النتيجة.

[فائدة]

إنّ الجحود والإنكار واقتراح الآيات علاجه ما ذكر في هذا المقطع، ومن ثمّ فإنّ على دارس المقطع أن ينتبه إلى ما لفت إليه النظر، وأن ينتبه إلى الأوامر المصدرة بكلمة (قل) فإنّها تمثّل الموقف المداوي والمكافئ لمواقف الكافرين.

[المعنى الحرفي]

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ هذا تعليم بأن من خلق يستحق الحمد، وإن لم يحمده الجاحدون. وفي كتابنا «الله جل جلاله» من سلسلة الأصول الثلاثة تحدثنا عن ظاهرة حدوث الكون، وعن ظاهرة الحكمة فيه، وكيف أنّهما يدلّان على الله بما لا يقبل الجدل، فليراجع. وفي قوله تعالى: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ إشارة إلى ظاهرة الحدوث وفي قوله: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ إشارة إلى ظاهرة الحكمة، وأن الواجب لله الشكر على ما خلق وجعل، ومعنى جعل هنا: أحدث وأنشأ والمجوس يقولون: بقدم الظلمة والنور. والماديون يقولون: بقدم العالم. وفي النّص ردّ على الجميع وفي كتابنا المذكور رد علمي وعقلي على فكرة قدم المادّة، وأفرد النّور لإرادة الجنس؛ ولأنّ ظلمة كل شئ تختلف باختلاف ذلك الشئ فظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة الموضع المظلم يخالف كل واحد منهما صاحبه، والنّور ضرب واحد لا يختلف كما تختلف الظلمات، وحتى في الظلمة القلبية فظلمة الكفر غير ظلمة النفاق، وظلمتهما غير ظلمة الفسوق، ونور الهداية واحد ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ أي: ومع هذا كله فإن الكافرين يساوون به غيره. تقول: عدلت هذا بهذا إذا ساويته به، واستعمال (ثمّ) في المقام يفيد استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته، فما أفظع فعلهم! إنّه بدلا من أن يحمدوه كفروا نعمته وعدلوا به سواه مما لا يقدر على شئ من الخلق.

<<  <  ج: ص:  >  >>