للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعاجلة العقوبة منهم لولا لطفه وإحسانه.

[فوائد]

١ - [نقل عن صاحب الظلال بمناسبة قوله تعالى .. فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ .. ]

بمناسبة قوله تعالى: فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ يقول صاحب الظلال:

«وهي حقيقة ينساها البشر حين يمكّن الله لهم في الأرض. ينسون أن هذا التمكين إنما تمّ بمشيئة الله؛ ليبلوهم فيه: أيقومون عليه بعهد الله وشرطه من العبودية له وحده، والتلقي منه وحده- بما أنه صاحب الملك وهم مستخلفون فيه- أم يجعلون من أنفسهم طواغيت تدّعي حقوق الألوهية وخصائصها؛ ويتصرفون فيما استخلفوا فيه تصرّف المالك لا المستخلف .. إنها حقيقة ينساها البشر- إلا من عصمهم الله- وعندئذ ينحرفون عن عهد الله، وعن شرط الاستخلاف؛ ويمضون على غير سنة الله؛ ولا يتبيّن لهم في أوّل الطريق عواقب هذا الانحراف، ويقع الفساد رويدا رويدا وهم ينزلقون ولا يشعرون .. حتى يستوفي الكتاب أجله؛ ويحق وعد الله .. ثم تختلف أشكال النّهاية: مرّة يأخذهم الله بعذاب الاستئصال- بعذاب من فوقهم أو من تحت أرجلهم كما وقع لكثير من الأقوام- ومرة يأخذهم بالسنين، ونقص الأنفس والثمرات- كما حدث كذلك لأقوام- ومرّة يأخذهم بأن يذيق بعضهم بأس بعض؛ فيعذب بعضهم بعضا، ويدمّر بعضهم بعضا، ويؤذي بعضهم بعضا، ولا يعود بعضهم يأمن بعضا؛ فتضعف شوكتهم في النهاية؛ ويسلط الله عليهم عبادا له- أو عصاة- يخضدون شوكتهم، ويقتلعونهم ممّا مكّنوا فيه؛ ثمّ يستخلف الله العباد الجدد ليبتليهم بما مكنهم .. وهكذا تمضي دورة السّنّة .. السعيد من وعى أنها السنة، ومن وعى أنه الابتلاء؛ فعمل بعهد الله فيما استخلف فيه. والشقي من غفل عن هذه الحقيقة، وظنّ أنه أوتيها بعلمه، بحيلته، أوتيها جزافا بلا تدبير.

وإنه لممّا يخدع الناس أن يروا الفاجر الطاغي، أو المستهتر الفاسد، أو الملحد الكافر، ممكّنا في الأرض، غير مأخوذ من الله .. ولكن النّاس إنما يستعجلون، إنهم يرون أوّل الطريق أو وسطه؛ ولا يرون نهاية الطريق .. ونهاية الطريق لا ترى إلا بعد أن تجئ! لا ترى إلا في مصارع الغابرين بعد أن يصبحوا أحاديث .. والقرآن الكريم يوجه إلى هذه المصارع ليتنبه المخدوعون الذين لا يرون- في حياتهم الفردية القصيرة- نهاية الطريق؛ فيخدعهم ما يرون في حياتهم ويحسبونه نهاية الطريق!

إنّ هذا النّص في القرآن: فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ .. وما يماثله، وهو يتكرر كثيرا

<<  <  ج: ص:  >  >>