للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورحمته وما يترتب عليهما، وفي ذلك علاج وإقامة حجة، وبعد ذلك تأتي الآن آيتان تأمران رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يعلن معاني عن تحقّقات ذاته الشريفة، مما يفهم منه أنّه في الردّ على الكافرين نحتاج إلى إقامة حجة وإعلان موقف، ولذلك نرى أن الآيتين التاليتين فيهما إعلان موقف

قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا. أي ناصرا ومعبودا، أي لا أتخذ، ثمّ وصف الله ذاته بقوله: فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. أي مخترعهما وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ. أي وهو يرزق ولا يرزق، أي المنافع كلها من عنده ولا يجوز عليه الانتفاع، والمعنى: كيف لا أتخذ الله نصيرا ومعبودا؛ وهو الخالق والرازق! وغيره لا يخلق ولا يرزق؛ فلا يصلح وليا ولا نصيرا، وبعد هذا الإنكار على اتخاذ غير الله وليا أمر الله رسوله أن يعلن قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ لأنه أسبق أمته إلى الإسلام فهو أوّل الملتزمين به وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. أي وقيل لي لا تكونن من المشركين، والمعنى أمرت بالإسلام ونهيت عن الشرك، دلّ هذا على أنّ الشّرك والإسلام لا يجتمعان، وأنّ الإسلام هو وحده الذي ينفي كلّ شرك، ثمّ أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يعلن

قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. وهو يوم القيامة.

مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ. أي: من يصرف عنه العذاب يوم القيامة فقد رحمه الله الرحمة العظمى وهي النّجاة وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ الفوز: حصول الربح ونفي الخسارة، والنّجاة يوم القيامة هي الفوز الكامل الواضح، وأيّ فوز أعظم من الجنة والزحزحة عن النار! وبعد أن أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يعلن هذا الإعلان، ذكّره، بما يساعده على إقامة حقيقة هذا الإعلان والبيان

وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ من مرض أو فقر أو ذلّ أو إيذاء أو ابتلاء أو غير ذلك من البلاء فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ. أي: فلا قادر على كشفه إلا هو وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ من غنى أو صحّة أو نصر أو غير ذلك من نعمه فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. أي قادر على الإيصال والإدامة والإزالة. وتعليقا على هذه الآيات الثلاث الأخيرة والآية التي بعدها قال صاحب الظلال:

«فما أحوج من يواجه الجاهلية بطاغوتها وجبروتها، وبإعراضها وعنادها، وبالتوائها وكيدها، وبفسادها وانحلالها .. ما أحوج من يواجه هذا الشر كله، أن يستصحب في قلبه هذه الحقائق وهذه المشاعر .. مخافة المعصية والولاء لغير الله. ومخافة العذاب الرعيب الذي يترقّب العصاة .. واليقين بأن الضار والنافع هو الله. وأن الله هو القاهر فوق عباده؛ فلا معقّب على حكمه، ولا رادّ لما قضاه .. إن قلبا لا يستصحب

<<  <  ج: ص:  >  >>