للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يُوحى إِلَيَّ. أي: لست أخرج عنه قيد شبر، ولا أدنى منه، وما أخبركم إلا بما أنزل الله عليّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ هذا مثل للضال والمهتدي، أو لمن اتّبع ما يوحى إليه ومن لم يتبع، أو لمن يدّعي المستقيم وهو النبوة مع الدليل والبرهان، والمحال وهو الإلهية أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ من أجل ألا تكونوا ضالين، أو من أجل أن تعلموا أني ما ادعيت ما لا يليق بالبشر، أو من أجل أن تعلموا أن اتّباع ما يوحى إليّ ممّا لا بدّ لي منه. وتعليقا على هذه الآية، وتبيانا لكون العقل بدون الوحي أعمى، وتوضيحا لمحل العقل بالنسبة للإنسان يقول صاحب الظلال:

«ثم .. إنّ اتباع الوحي وحده هداية وبصر، والمتروك بغير هذا الهادي متروك أعمى .. هذا ما تقرره هذه الآية في وضوح وصرامة .. فما شأن العقل البشري في هذا المجال؟ سؤال جوابه في التصور الإسلامي واضح بسيط .. إن هذا العقل الذي وهبه الله للإنسان قادر على تلقي ذلك الوحي، وإدراك مدلولاته .. وهذه وظيفته .. ثم هذه هي فرصته في النور والهداية، وفي الانضباط بهذا الضابط الصحيح الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

فأما حين يستقل هذا العقل البشري بنفسه بعيدا عن الوحي، فإنه يتعرض حينئذ للضلال والانحراف، وسوء الرؤية، ونقص الرؤية، وسوء التقدير، وسوء التدبير.

يتعرض لهذا كله بسبب طبيعة تركيبه ذاتها في رؤية الوجود أجزاء لا كلا واحدا.

تجربة بعد تجربة، وحادثة بعد حادثة، وصورة بعد صورة .. حيث يتعذر عليه أن يرى الوجود جملة ليقيم على أساس هذه الرؤية الكاملة أحكاما، ويضع على أساسها نظاما، ملحوظا فيه الشمول والتوازن .. ومن ثم يظل- حين ينعزل عن منهج الله وهداه- يرتاد التجارب، ويغيّر الأحكام، ويبدّل النّظام، ويضطرب بين الفعل وردود الفعل، ويتخبط من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال .. وهو في ذلك يحطم كائنات بشرية عزيزة، وأجهزة إنسانية كريمة .. ولو اتبع الوحي لكفى البشر هذا الشر كله؛ وجعل التجارب والتقلبات في «الأشياء» وفي «المادة» وفي «الأجهزة» وفي «الآلات» .. وهي مجاله الطبيعي الذي يمكن أن يستقل فيه. والخسارة في النهاية مواد وأشياء. لا أنفس وأرواح.

ويتعرض لهذا كله- بعد طبيعة تركيبه- بسبب ما ركب في الكيان البشري من

<<  <  ج: ص:  >  >>