للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاعوجاج أفضوا إلى دار السلام، والله حافظهم وناصرهم ومؤيّدهم جزاء على أعمالهم الصالحة، ويجمع لهم مع الولاية الجنّة بمنّه وكرمه، وبعد إذ وصل السياق إلى هذا المعنى فإنّه يحدثنا عن حشر شياطين الجنّ والإنس، الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، الذين ذكروا في أوائل هذه الفقرة:

فيذكر يوم يحشر الجنّ وأولياؤهم من الإنس، الذين كانوا يعبدونهم في الدنيا ويعوذون بهم، ويطيعونهم، ويوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، يومذاك يقال للجنّ إنّكم قد استكثرتم من إغواء الإنس وإضلالهم، ويعترف أولياؤهم من الإنس في هذا المقام بأنّ كلا من الجن والإنس قد استمتع بعضهم بالآخر حتى بلغوا الموت، فيكون الجواب أن النار مأواهم ومنزلهم جميعا أبدا بمشيئة الله وحكمه وعلمه، ثمّ بيّن الله سنته في خلقه بأنّه إنما يولي النّاس بعضهم بعضا بأعمالهم، فالمؤمن ولي المؤمن أين كان وحيث كان، والكافر ولي الكافر أينما كان وحيثما كان، فليس الإيمان بالتمنيّ، وفي ذلك تعليل لتولّي هؤلاء الكافرين لبعضهم بعضا، أن ذلك ما كان لولا كسبهم السيئ، والكسب السيئ هو أداة الوصول إلى النّار، ثمّ يذكر الله- عزّ وجل- شيئا آخر مما يقرع الله به كافري الجن والإنس يوم القيامة، حيث يسألهم- وهو أعلم-: هل بلّغتهم الرسل رسالاته؟ وهل قصّوا عليهم آياته؟ وهل أنذروهم لقاء اليوم الآخر؟ فيقرّون بأنّ هذا كله قد كان، ولكنّهم اغترّوا بالحياة الدنيا، وفرّطوا بها، وشهدوا على أنفسهم يوم القيامة أنهم كانوا كافرين، فالحجّة إذن قائمة عليهم في الدنيا والآخرة، لأنّ سنة الله أنه لا يعاجل النّاس بالعقوبة حتى يبعث إليهم رسولا ينبههم ويقيم حجج الله عليهم، وينذرهم عذاب الله يوم معادهم، ولم يكن الله ليأخذهم على غفلة فيقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير، وأنّ سنته أنّ لكل عامل في طاعة الله أو معصيته مراتب ومنازل من عمله يبلّغه إياها ويجزيه بسببها إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وما الله بغافل عن عمل عامل، ويحصي عليه وله أعماله ويثبتها عنده ليجازيهم عليها عند لقائهم إياه ومعادهم إليه، ثم يختم الله- عزّ وجل- هذه الفقرة الطويلة بتقرير أنه الغني عن جميع خلقه من جميع الوجوه، وهم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، وهو مع ذلك رحيم بخلقه، وأنه إن شاء أن يذهبنا إن خالفنا أمره ويستخلف بدلنا قوما آخرين يعملون بطاعته، فإنّه قادر على ذلك، سهل عليه، يسير لديه، كما أذهب القرون الأولى، كذلك هو قادر على إذهاب هؤلاء والإتيان بآخرين، وعلى كل حال فإن أمر القيامة آت، وما أحد بمعجز الله بل هو القادر على الإعادة وإن صرنا ترابا ورفاتا، وفي الختام يأمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن

<<  <  ج: ص:  >  >>