للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملك .. وهو يكون في أشد حالات ضعفه وأدناها حين يبعد عن هدى الله، ويستسلم لهواه، أو يستسلم لعدوه العنيد الذي أخذ على عاتقه إغواءه، في جهد ناصب، لا يكل ولا يدع وسيلة من الوسائل!.

وقد اقتضت رحمة الله به- من ثم- ألا يتركه لفطرته وحدها، ولا لعقله وحده وأن يرسل إليه الرسل للإنذار والتذكير- كما سيجئ في آية تالية في معرض التعقيب على القصة- وهذه هي صخرة النجاة بالنسبة له ... النجاة من شهواته بالتخلص من هواه والفرار إلى الله. والنجاة من عدوه الذي يخنس ويتوارى عند ذكره لربه، وتذكر رحمته وغضبه، وثوابه وعقابه .. وهذه كلها مقويات لإرادته، حتى يستعلي على ضعفه وشهواته .. وقد كان أول تدريب له في الجنة هو فرض «المحظور» عليه؛ لتقوية هذه الإرادة، وإبرازها في مواجهة الإغراء والضعف. وإذا كان قد فشل في التجربة الأولى، فقد كانت هذه التجربة رصيدا له فيما سيأتي.

... والحقيقة الرابعة: هي جدية المعركة مع الشيطان وأصالتها، واستمرارها وضراوتها.

لقد بدا من سياق القصة إصرار هذا العدو العنيد على ملاحقة الإنسان في كل حالة، وعلى إتيانه من كل صوب وجهة، وعلى اتباعه في كل ساعة ولحظة:

قالَ: فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ، وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ.

لقد اختار اللعين أن يزاول هذا الكيد، وأن ينظر لمزاولته على المدى الطويل .. اختار هذا على أن يضرع إلى الله أن يغفر له خطيئته في معصيته عيانا وقد سمع أمره مواجهة! ثم بين أنه سيقعد لهم على طريق الله، لا يمكنهم من سلوكه وأنه سيأتيهم من كل جهة يصرفهم عن هداه.

وهو إنما يأتيهم من ناحية نقط الضعف فيهم ومداخل الشهوة. ولا عاصم لهم منه إلا بالتقوي بالإيمان والذكر، والتقوي على إغوائه ووسوسته، والاستعلاء على الشهوات وإخضاع الهوى لهدى الله.». «وأخيرا فإن القصة والتعقيبات عليها- كما سيجئ- تشير إلى شئ مركوز في طبع الإنسان وفطرته. وهو الحياء من التعري

وانكشاف سوأته:

<<  <  ج: ص:  >  >>