للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ أي يا ربنا هؤلاء القادة، أو هؤلاء السابقون المتقدمون علينا قد أضلونا بالغواية والإغواء؛ فضاعف لهم العذاب في النار. قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ أي للقادة ضعف لغوايتهم وإغوائهم، لضلالهم وإضلالهم، وللأتباع ضعف لكفرهم ولاقتدائهم ولتقويتهم أمر القادة، فلولا الأتباع ما كان للقادة سلطان.

أو للمستقدمين ضعف بضلالهم وإضلالهم، وللمتأخرين ضعف بضلالهم ومتابعتهم وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ أي ما لكل فريق منكم من العذاب، أو لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر

وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ أي وقال القادة عن الأتباع، أو وقال السابقون عن اللاحقين فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ هذا يحتمل فما كان لكم علينا من نصرة، أو يحتمل أن لا فضل لكم علينا وإنا متساوون في استحقاق الضعف، أو يحتمل أن هذا من كلام الأمم السابقة لمن بعدها لأن المتأخرين كانوا يرون أنفسهم خيرا وأحسن وأرقى من المتقدمين فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ أي بكسبكم وكفركم وهو من قول الأولين للآخرين.

[فائدة]

في عصرنا تسمع عبارات كثيرة كلها تعبر عن شعور المعاصرين أنهم خير من السابقين من مثل: عصرنا عصر النور، عصر المدنية، عصر التقدم، عصر حضارة القرن العشرين، عصر التحرر، وأمثال ذلك، كما تسمع عن الماضين: متأخرين جهلة، عصور الظلام، عصور الوحشية، وغير ذلك مما يفيد أن المعاصرين يحتقرون الماضين، مع ملاحظة أن كفر المعاصرين استمرار لكفر الماضين، والذي نرجحه في فهم الآية أن الآيتين السابقتين سجلتا هذا المعنى بشكاية المتأخرين للمتقدمين أنهم سبب ضلالهم، وشماتة الأولين بالآخرين إذ كانوا يدعون أن لهم فضلا على السابقين، فشمتوا بهم أن فضلهم ما حال بينهم وبين العذاب المضاعف، وفي مثل هذا التصوير، وفي تعدد المعاني الصحيحة التي يعطيها النص أحيانا تظهر بعض مظاهر الإعجاز في القرآن، وكيف أن منزله لا بد أن يكون هو الذي يعلم الحاضر والمستقبل، هو رب العالمين ولنعد إلى السياق:

إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ بعد أن ذكر ما تقول الملائكة للكافرين عند الموت، وذكر ما يقول الله لهم يوم القيامة، عاد السياق ليحدثنا عما يكون للكافر عند الموت، على قول في فهم الآية، وما يكون للكافر يوم القيامة على فهم، فقوله تعالى:

لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ يحتمل أن يعني: ألا يؤذن لهم في صعود السماء ليدخلوا الجنة،

<<  <  ج: ص:  >  >>