للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - وبمناسبة قوله تعالى تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ قال ابن كثير (روى النسائي وابن مردويه واللفظ له ... عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول: لولا أن الله هداني: فيكون له شكرا، وكل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول: لو أن الله هداني، فيكون له حسرة». ولهذا لما أورثوا مقاعد أهل النار من الجنة نودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون، أي بسبب أعمالكم نالتكم الرحمة، فدخلتم الجنة، وتبوأتم منازلكم بحسب أعمالكم؛ وإنما وجب الحمل على هذا لما ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:

«واعلموا أن أحدكم لن يدخله عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل) اهـ كلام ابن كثير.

وعن قوله تعالى وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ يقول صاحب الظلال: (هؤلاء هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات قدر استطاعتهم لا يكلفون إلا طاقتهم .. هؤلاء هم يعودون إلى جنتهم إنهم أصحابها- بإذن الله وفضله- ورثها لهم- برحمته- بعملهم الصالح مع الايمان؛ جزاء ما اتبعوا رسل الله، وعصوا الشيطان، وجزاء ما أطاعوا أمر الله العظيم الرحيم وعصوا وسوسة العدو اللئيم القديم، ولولا رحمة الله ما كفى عملهم- في حدود طاقتهم- وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن يدخل أحدا منكم الجنة عمله» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» وليس هنا لك تناقض ولا اختلاف بين قوله الله سبحانه في هذا الشأن وقول رسوله صلى الله عليه وسلم وهو لا ينطق عن الهوى .. وكل ما ثار من الجدل حول هذه القضية بين الفرق الإسلامية لم يقم على الفهم الصحيح لهذا الدين، إنما ثار عن الهوى، فلقد علم الله من بني آدم ضعفهم وعجزهم وقصورهم عن أن تفي أعمالهم بحق الجنة، ولا بحق نعمة واحدة من نعمه عليهم في الدنيا؛ فكتب على نفسه الرحمة، وقبل منهم جهد المقل القاصر الضعيف، وكتب لهم به الجنة فضلا منه ورحمة؛ فاستحقوها بعملهم ولكن بهذه الرحمة ..

وبعد فإذا كان أولئك المغترون المكذبون المجرمون الظالمون الكافرون المشركون يتلاعنون في النار ويتخاصمون، وتغلي صدورهم بالسخائم والأحقاد، بعد أن كانوا أصفياء أولياء .. فإن الذين آمنوا وعملوا الصالحات في الجنة إخوان متحابون، متصافون متوادون يرف عليهم السلام والولاء: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>