للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وموسى عليه السلام لا يعرف أحدا منهم ولا رآه ولا اجتمع به، وفرعون يعلم ذلك.

وإنما قال هذا تسترا وتدليسا على رعاع دولته وجهلتهم.

ثم ادعى أن سبب هذا التآمر أن السحرة- بالتعاون مع موسى- يريدون أن يصلوا إلى الدولة والسلطان، ويسلبوها من الأكابر والرؤساء- أي منه ومن أعوانه- وبناء عليه فإنه سيقطع أيديهم وأرجلهم، من كل واحد منهم يدا ورجلا، متعاكستين يمينا بشمال أو شمالا بيمين، وأنه سيصلبهم جميعا، فكان أن أعلنوا أنهم قد تحققوا أنهم راجعون إلى الله، وأن عذاب الله أشد من عذاب فرعون ونكاله، وأنهم سيصبرون على عذاب فرعون ليتخلصوا من عذاب الله، ثم دعوا الله تعالى أن يعمهم بالصبر على دينه والثبات عليه، وأن يقبضهم إليه مسلمين متابعين لرسوله عليه السلام، فكانوا في أول النهار سحرة فصاروا في آخره شهداء بررة.

وبعد هذه الجولة الخاسرة مع موسى عليه السلام، وبدلا من أن يؤمن فرعون وملؤه بعد تسليم أهل الاختصاص بالسحر أن موسى رسول الله وليس بساحر، يذكر لنا الله- عزّ وجل- ما تآمر به فرعون وقومه، وما تمالئوا به على موسى، وما أضمروه له ولقومه من الأذى والبغضة، إذ يقص علينا أن حاشية فرعون حرضت فرعون على موسى. وما هو بحاجة إلى تحريض، ولكنه نفاق البطانة، ومسارعتها إلى إرضاء نفس الحاكم، مدعية أن موسى وقومه مفسدون في الأرض، إذ هم تاركون لآلهة فرعون، عابدون غيرها داعون لعبادة الله رب العالمين. وهكذا الشأن دائما أن المفسدين الحقيقيين يسمون المصلحين الحقيقيين بالإفساد، وهنا أعلن فرعون قراره بإحياء سنته اللعينة القديمة وهي قتل أبناء بني إسرائيل، واستحياء نسائهم؛ قهرا لهم وإذلالا، وأمام هذا الطغيان الرهيب لم يكن من موسى إلا أن أمر قومه- وهم المستضعفون- بالاستعانة بالله والصبر. وهكذا تمر لحظات صعبة على أهل الله، ليس أمامهم إلا هذا. ووعدهم موسى بالعاقبة وأن الدار ستصير لهم ولكنهم- وهم من هم في اللجاج والمخالفة- قالوا شاكين متذمرين أن هذا الأذى قد نزل بهم من قبل مجئ موسى ومن بعد، فقال منبها لهم عن حالهم الحاضر وما يصيرون إليه من مآلهم عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ وهذا تحضيض لهم على الصبر وحسن الرجاء، وعلى العزم على الشكر عند حلول النعم وزوال

النقم، وبدأت العقوبات تتوالى على فرعون وقومه انتصارا لموسى وقومه، وعظة لفرعون وقومه، وتلك سنة الله التي رأيناها من قبل، أن يأخذ بالبأساء والضراء ابتداء من لم يؤمن برسله، وهكذا فعل بفرعون وقومه، ابتلاهم بالجوع والقحط، فلا ثمر ولا زرع؛ من

<<  <  ج: ص:  >  >>