للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجل أن يتعظوا فكان موقفهم كموقف الأمم السابقة، إن جاءهم الخصب والسعة ادعوا أن هذا لهم حق ومستحق، وإن جاءهم الجدب والقحط ادعوا أن هذا بسبب موسى وقومه وما جاءوا به، ناسين أن هذا كله من عند الله؛ ولكنهم جهلة بالله وسننه؛ ومع ما ابتلاهم الله به ومع كل ما رأوا من الآيات؛ فإنهم عبروا عن تمردهم وعتوهم وعنادهم للحق، وإصرارهم على الباطل بإعلانهم بأن أي آية يجيئهم بها موسى، وأي حجة يقيمها عليهم، فإنهم سيردونها ولا يقبلونها، وأنهم لن يؤمنوا به ولا بما جاء به. فسلط الله عليهم البرد والأمطار المغرقة المتلفة للزروع والثمار، والموت، والجراد، والقمل، والضفادع، وفي كل واحدة من هذه آية واضحة مفصلة، ومع ذلك أصروا على الاستكبار، وأصروا على التلبس بالإجرام، وكان من دأبهم أنهم إذا وقع بهم العذاب طلبوا من موسى أن يدعو الله ليرفع العذاب، معاهدين الله أنهم سيؤمنون بموسى ويرسلون معه بني إسرائيل، وفي كل مرة كانوا ينكثون إذا رفع عنهم العذاب، ثم إنهم لما أصروا على العتو والتمرد مع ابتلاء الله إياهم بالآيات المتواترة واحدة بعد واحدة، انتقم الله منهم بإغراقه إياهم في البحر الذي فرقه الله لموسى فجاوزه وبنو إسرائيل معه، ثم ورده فرعون وجنوده على أثرهم فلما استكملوا فيه ارتطم عليهم فغرقوا عن آخرهم، وذلك بسبب تكذيبهم بآيات الله وتغافلهم عنها، ثم أخذ الله بيد بني إسرائيل بعد ذلك ناقلا إياهم من حال إلى حال، حتى أورثهم مشارق الأرض ومغاربها، والمراد بالأرض التي أورثوها فلسطين تحقيقا لوعد الله لهم ودمر الله ما صنع فرعون وما بناه.

وبهذه المعاني ينتهي هذا المقطع، وهو كما قلنا من قبل نموذج على سنن الله التي ذكرها قبيل هذا المقطع من كونه يمتحن الذين يبعث إليهم رسولا- فيرفضون رسالته- بالبأساء والضراء، ثم يعطيهم خصبا ليتعظوا بهذا وهذا، ولكن جرت العادة أن يستكبروا ولا يتعظوا في الحالين وعندئذ يكون الأخذ. وهذا ما كان لفرعون وقومه.

وكذلك رأينا أن الله قرر أن أكثر الناس ليس لهم عهد وأكثرهم فاسقون. وهكذا رأينا في قصة فرعون مع موسى في هذا المقطع كيف أن فرعون وقومه كانوا ينكثون في كل مرة.

وقد رأينا كيف أن الله يتولى الفئة المؤمنة إما بتثبيتها حتى تقتل لتكون شهيدة، وإما بنصرها والانتصار لها والانتقام من عدوها وإنجائها. وهي معان كلها تجري على نسق واحد، عاقبة اتباع الهدى المنزل، وعاقبة رفضه، وذلك هو محور هذه السورة.

ونلاحظ أنه في هذه السورة قد قص الله علينا مقطعا في قصة فرعون هو ما رأينا

<<  <  ج: ص:  >  >>