للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن لم يتداركهم الله برحمته ومغفرته فإنهم سيكونون من الهالكين.

ثم قص الله عزّ وجل علينا ما كان من موسى مع قومه عند ما رجع إليهم، فأخبرنا تعالى أنه رجع إلى قومه وهو في أشد حالات الغضب، فلما قابلهم خاطبهم بأنه بئس ما صنعتم في عبادتكم العجل بعد أن ذهبت وتركتكم، ثم أنكر عليهم استبطاءهم له، واستعجالهم مجيئه، وهو في أمر الله وقدره، فسارعوا إلى ارتكاب ما ارتكبوه، ولم ينتظروا موسى، ثم أخبرنا تعالى كيف أنه حمي الغضب بموسى لما رأى ما رأى منهم؛ فألقى الألواح التي أعطاه الله إياها، وأخذ برأس أخيه هارون يجره إليه، خوفا أن يكون قد قصر في نهيهم، فاعتذر هارون وخاطبه بأرق الخطاب، ألا يسوقه مساقهم، ولا يخلطه معهم، وأنه ما قصر في نصحهم، وإنما أخر مفارقتهم حتى عودة موسى، فلما علم موسى عدم تقصير أخيه استغفر لنفسه واستغفر لأخيه، وسأل الله أن يدخله وأخاه في رحمته، مثنيا على الله بأنه أرحم الراحمين. ثم بين لقومه أن الذين عبدوا العجل منهم سيصيبهم غضب من الله، وذلة في الحياة الدنيا، وذلك جزاء من يفتري على الله. ثم نبه تعالى عباده وأرشدهم إلى أنه يقبل توبة عباده من أي ذنب كان، حتى لو كان من كفر أو شرك أو نفاق أو شقاق، فإنه تعالى من بعد الفعل والتوبة غفور رحيم. ولكن الذنب لا يمر بلا نوع عقوبة، ومن ثم فقد عوقب من عبد العجل بأن أمرهم الله أن يقتل بعضهم بعضا. كما مر في سورة البقرة، وعاقبهم بذلة قريبة وهم في الصحراء في أكثر من موطن.

ثم أخبر تعالى أن موسى قد اختار من قومه سبعين رجلا ليعتذروا عن عبادة العجل ويدعوه فأخذتهم الرجفة، فأخذ موسى يستغيث الله، ألا يهلكهم بذنوب السفهاء، داعيا الله عزّ وجل أن يرحم ويغفر وأن يعطي، سأله دفع المحذور، ثم سأله العطاء في الدنيا والآخرة له ولقومه، معلنا توبته وتوبة قومه، وفي هذا المقام بين الله لموسى سنته وطلاقة مشيئته بتعذيب من يشاء، ورحمة من يشاء، وبين له سعة رحمته، وأنه خص أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالخصوصيات العظمى والرحمة التامة، بما اجتمع لهم من التقوى، وإيتاء الزكاة، والإيمان، واتباع رسولهم النبي الأمي الذي سجل صفته في التوراة والإنجيل، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، محلا للطيبات، محرما للخبائث، آتيا بالحنيفية السمحة، وبالدين اليسر، يرفع فيه عن الأمم أثقالها وأغلالها، ثم بين تعالى أن من آمن بهذا الرسول، وعظمه، ووقره، واتبع الوحي الذي أنزله معه فهو المفلح، والتبشير بمحمد صلى الله عليه وسلم في هذا المقام الذي ظهرت به إساءة بني إسرائيل وانحرافهم بعبادة العجل

<<  <  ج: ص:  >  >>