للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظلم أكبر من الشرك

وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ أي ولما اشتد ندمهم على عبادة العجل وذلك بعد مجئ موسى. وأصله أن من شأن من اشتد ندمه أن يعض يده غما، فتصير يده مسقوطا فيها؛ لأن ما ناله وقع فيها. وقال الزجاج: معناه سقط الندم في أيديهم أي في قلوبهم وأنفسهم تشبيها لما يحصل في القلب وفي النفس، بما يحصل في اليد ويرى بالعين وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا أي وتبينوا ضلالهم كأنهم أبصروه بعيونهم قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ أي من المغبونين في الدنيا والآخرة.

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى من الطور إِلى قَوْمِهِ بني إسرائيل غَضْبانَ أَسِفاً أي حزينا، وقيل الأسف أشد الغضب قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي قال بئسما قمتم مقامي وكنتم خلفائي، والخطاب إما لعبدة العجل من السامري وأشياعه، أو لهارون ومن معه من المؤمنين؛ والمعنى على الأول: بئسما خلفتموني حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله، وعلى الثاني: بئسما خلفتموني حيث لم تكفوا من عبد غير الله.

والمعنى الدقيق: بئس خلافة خلفتموني فيها من بعدي خلافتكم مِنْ بَعْدِي أي من بعد ذهابي أو من بعد ما رأيتم مني من توحيد الله ونفي الشركاء عنه، أو من بعد ما كنت أحمل بني إسرائيل على التوحيد وأكفهم عن عبادة غير الله، ومن حق الخلفاء أن يسيروا بسيرة المستخلف أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ أي أسبقتم بعبادة العجل أمر ربكم وهو إتياني لكم بالتوراة بعد أربعين ليلة، فبدلا من أن يكون استقبالكم لما آتيكم به وأنتم على أكمل حال تعجلتم أسوأ حال تستقبلون به أمر الله، وقيل أعجلتم أمر ربكم معناها أتركتم أمر ربكم بالتوحيد ولكن مما يشهد للأول أن أصل العجلة طلب الشئ قبل حينه وَأَلْقَى الْأَلْواحَ ضجرا عند استماعه حديث العجل غضبا لله. وكان في نفسه شديد الحدة، شديد الغضب لله. وكان هارون ألين منه جانبا، ولذلك كان محببا لبني إسرائيل. وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ أي بشعر رأس أخيه غضبا عليه حيث لم يمنعهم من عبادة العجل يَجُرُّهُ إِلَيْهِ أي يشده نحوه، وهو أخذ عتاب له لا هوانا عليه قالَ ابْنَ أُمَّ وكان هارون ابن أمه وأبيه، وإنما ذكر الأم لأن ذكرها أدعى إلى العطف إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي أي إني لم آل جهدا في كفهم بالوعظ والإنذار ولكنهم استضعفونني وهموا بقتلي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ أي الذين عبدوا العجل، أي لا تفعل بي ما هو أمنيتهم من الاستهانة بي والإساءة إلي وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي قرينا لهم بغضبك علي، فلما اتضح له عذر أخيه

قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي

<<  <  ج: ص:  >  >>