للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمقطع هنا بمثابة الاستمرار للكلام عن بني إسرائيل في عهد موسى، وفيما بعد موسى، وكيف أن الانحراف قد استقر في النهاية عند بني إسرائيل حتى استحقوا العقوبة الدائمة، هذا مع أنه أخذت عليهم أغلظ المواثيق في أشد الحالات، ومن أول آية في الكلام عن بني إسرائيل في السورة رأينا قوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ وفي المقطع الثاني رأينا قوله تعالى قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ وفي هذا المقطع نرى قوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ .. مما يفيد أن عرض قصة بني إسرائيل يهدف إلى إعطاء دروس لهذه الأمة.

وهذا المقطع كغيره من المقاطع يرينا أمة أنزل عليها وحي، فانحرفت، فعوقبت، وارتباط ذلك بمحور السورة واضح.

[المعنى العام]

يخبر تعالى عن بني إسرائيل أنه قطعهم اثنتي عشرة سبطا، وأمر موسى أن يضرب بعصاه الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا. لكل سبط عين، وأكرمهم بتظليل الغمام عليهم، وأكرمهم بإنزال المن وإرسال السلوى ليأكلوا حلوى ولحما من فضله، ومع ذلك ظلموا أنفسهم بالشرك وغيره. ثم فتح لهم البلاد التي وعدهم إياها، وبدلا من أن يشكروا الله بطاعته على الفتح، حرفوا وبدلوا فعذبوا. فناس هذا شأنهم يرون المعجزات، ويعيشون بالنعم، ويتقلبون بالعناية والرعاية، ثم لا يكون من الكثير منهم إلا الظلم. أمة هذا شأنها لا يستغرب ألا تستجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما أنه لا يستغرب أن تعذب.

ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسألهم عن قرية من قراهم، كيف كانت تحتال على أمر الله لتحرفه، متظاهرة بالطاعة صورة، ومخالفة معنى، كيف فعل الله، بالظالمين منهم والساكتين عن المنكر فيهم. وفي ذلك توكيد أن هذه الأمة قسمان: قسم مهتد، وقسم ضال. فلا عجب أن يكفر الكثير منهم بالدعوة الجديدة، ثم أمر الله

رسوله صلى الله عليه وسلم أن يذكرهم بما هددهم به إن انحرفوا أن يسلط عليهم من يعذبهم إلى يوم القيامة، وقد انحرفوا وقد فعل، وهذا تذكير لهم بأن عليهم أن يدخلوا في دين محمد صلى الله عليه وسلم. ثم أخبر تعالى كيف أنه فرقهم في الأرض كلها طوائف مشتتة ممزعة، وكيف أنه اختبرهم بالرخاء، والشدة، والرغبة، والرهبة، والعافية، والبلاء من أجل أن يرجعوا إلى الله.

وأنه خلف من بعد ذلك الجيل الذي فيهم الصالح والطالح خلف آخر، لا خير فيهم، قد ورثوا دراسة الكتاب، ومع ذلك فهم يعتاضون عن بذل الحق ونشره بعرض الحياة

<<  <  ج: ص:  >  >>