للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في سفر العدد كما سنرى، وأجود ما ننقله من روايات علماء المسلمين في هذا الباب ما ذكره محمد بن إسحاق عن سالم أبي النضر: أنه حدث أن موسى عليه السلام لما نزل في أرض بني كنعان من أرض الشام أتى قوم بلعام إليه فقالوا له: هذا موسى بن عمران في بني إسرائيل قد جاء يخرجنا من بلادنا، ويقتلنا ويحلها بني إسرائيل، وإنا قومك، وليس لنا منزل، وأنت رجل مجاب الدعوة، فاخرج فادع الله عليهم قال: ويلكم نبي الله معه الملائكة والمؤمنون كيف أذهب أدعو عليهم وأنا أعلم من الله ما أعلم؟ قالوا له ما لنا من منزل، فلم يزالوا به يرققونه ويتضرعون إليه حتى فتنوه فافتتن، فركب حمارة له متوجها إلى الجبل الذي يطلعه على عسكر بني إسرائيل، وهو جبل حسبان: فلما سار عليها غير كثير ربضت به، فنزل عنها فضربها، حتى إذا أزلقها قامت فركبها، فلم تسر به كثيرا حتى ربضت به، فضربها حتى إذا أزلقها أذن لها فكلمته حجة عليه فقالت:

ويحك يا بلعم أين تذهب؟ أما ترى الملائكة؟ أما تردني عن وجهي هذا؟ تذهب إلى نبي الله والمؤمنين لتدعو عليهم؟؟ فلم ينزع عنها فضربها فخلى الله سبيلها حين فعل بها ذلك، فانطلقت به حتى إذا أشرفت به على رأس حسبان على عسكر موسى وبني إسرائيل، جعل يدعو عليهم، ولا يدعو عليهم بشر إلا صرف الله لسانه إلى قومه، ولا يدعو لقومه بخير إلا صرف لسانه إلى بني إسرائيل. فقال له قومه: أتدري يا بلعم ما تصنع؟ إنما تدعو لهم، وتدعو علينا، قال: فهذا ما لا أملك. هذا شئ قد غلب الله عليه، قال: واندلع لسانه فوقع على صدره، فقال لهم: قد ذهب مني الآن الدنيا والآخرة ولم يبق إلا المكر والحيلة، فسأمكر لكم وأحتال، جملوا النساء وأعطوهن من السلع ثم أرسلوهن إلى العسكر يبعنها فيه، ومروهن فلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها، فإنهم إذا زنى رجل واحد منهم كفيتموهم، ففعلوا فلما دخل النساء العسكر مرت امرأة من الكنعانيين اسمها: كسبتي- ابنة صور رأس أمته- برجل من عظماء بني إسرائيل وهو: زمري بن شلوم رأس سبط شمعون بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، فلما رآها أعجبته، فقام، فأخذ بيدها وأتى بها موسى وقال: إني أظنك ستقول هذا حرام عليك لا تقربها. قال: أجل هذا حرام عليك. قال: فو الله لا أطيعك في هذا. فدخل بها قبته فوقع عليها، وأرسل الله عزّ وجل الطاعون في بني إسرائيل، وكان فنحاص بن العيزار بن هارون صاحب أمر موسى، وكان غائبا حين صنع زمري بن شلوم ما صنع، فجاء والطاعون يجوس فيهم، فأخبر الخبر فأخذ حربته وكانت من حديد كلها، ثم دخل القبة وهما متضاجعان، فانتظمهما بحربته ثم خرج بهما رافعهما إلى السماء،

<<  <  ج: ص:  >  >>