للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشركين، ولكن ينبغي أن تكون الضربة ساحقة إن حدث غدر، وهذا يقتضي أن يكون المسلمون دائما على حذر، وعلى استعداد، وإذ تقرر جواز العهد، وتقررت العقوبة على الغدر، فإن مسألة تطرح نفسها وهي: أنه قد يدخل المسلمون في معاهدة، ويكون الطرف الآخر يبيت عملية غدر، فماذا يفعل المسلمون ليقابلوا هذه الحالة؟ الجواب أنه متى أحس المسلمون بروح الخيانة والغدر، والنقض للمواثيق والعهود، فإن عليهم أن يعلموا خصمهم أن العهد لاغ؛ والاتفاقية منقوضة، وأنه لا عهد بينهم وبين الآخرين، وذلك حتى لا يرتكب المسلمون خيانة، لأن الله لا يحب الخيانة وأهلها، ولو كانت الخيانة في حق كافر، وإذن إذا حدث الغدر بعد العهد فالضربة القاصمة، وإذا خيف الغدر قبل وقوعه فالإعلام أنه لا عهد ولا عقد. ومن ثم نلاحظ أنه بعد نزول هذه الآيات عند ما غدرت قريش ببني خزاعة، ناقضة عهد الحديبية، باغتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفتح مكة، ولأن الضربة القاصمة تحتاج إلى جرأة، ولأن الإعلام بإلغاء المعاهدات قد يتسبب عنه ما يفوت على المسلمين فرصة المفاجأة. فقد أعلمنا الله عزّ وجل في هذا المقام أن الكافرين مهما بلغوا من القوة فإنهم في قدرته وقبضته فلا يعجزونه، فلا يبالي المسلمون إذن إلا بتطبيق أمر الله.

ثم يأتي التوجيه الثاني في هذا المقام، وهذا التوجيه فيه أمر ببذل منتهى الجهد للإعداد المادي للقتال، والمتمثل بكل أدوات الرمي، وبكل آليات المعركة، من أجل إرهاب كل عدو لله عرفه المسلمون أو لم يعرفوه، وحض في هذا المقام على الإنفاق؛ لأن الإعداد لا يكون بلا مال، ووعد عليه الأجر. ولنفرض أنه بعد القتال مال الكافرون إلى السلام أي إلى المسالمة والمصالحة والمهادنة فما العمل؟ للمسألة صور وحالات وفي إحدى حالاتها يأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة بالميل إليها والقبول منهم ذلك، ولنفرض أنهم يريدون بالصلح الخديعة، ليتقووا ويستعدوا، فليكن ذلك: صالح وتوكل على الله، فإن الله كافيك وناصرك، وكيف لا، وهو الذي فعل لرسوله صلى الله عليه وسلم ببدر ما فعل، ونصره بالمؤمنين، وجمع بين قلوبهم على الإيمان وعلى الطاعة له ومناصرته ومؤازرته، بعد ما كان بينهم من العداوة والبغضاء، حتى لو أنفقت أموال الأرض كلها لإصلاح ذات بينهم لم تفد، ومع ذلك فإن الله جمع هذه القلوب، فهو العزيز الجناب الذي لا يخيب رجاء من توكل عليه، الحكيم في أفعاله وأحكامه، وباستكمال هذه المعاني تنتهي الفقرة الأولى في المقطع بعد أن أمر الله المؤمنين بها:

<<  <  ج: ص:  >  >>