للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقدره عليهم، كيف وأنه هو مولى المؤمنين، والمؤمنون عليه متوكلون، وليس عند الله للمؤمنين إلا الخير مهما كان ظاهر الأمر خلاف ذلك، ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء أنهم لا ينتظرون بالمؤمنين إلا النصر أو الشهادة، غير أن المؤمنين ينتظرون بالمنافقين عذاب الله المباشر، أو عذاب الله بأيدي المؤمنين، فلينتظروا إذن والمؤمنون منتظرون، وشتان بين الانتظارين، ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء أنهم مهما أنفقوا من نفقة طائعين أو مكرهين فإن الله لا يقبلها بسبب كفرهم بالله والرسول صلى الله عليه وسلم، والأعمال إنما تقبل وتصح بالإيمان، وبسبب كسلهم إذا قاموا إلى الصلاة، مما يدل على أنه ليس لهم قدم صحيح ولا همة في العمل، وبسبب كونهم لا ينفقون نفقة إلا وهم كارهون، فلهذا لا يقبل الله من هؤلاء نفقة ولا عملا؛ لأنه إنما يتقبل من المتقين، ثم نهى الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعجبه ما هم فيه من أموال أو أولاد، فما هي إلا نوع عذاب لهم، ثم عاقبتهم أن يميتهم الله- حين يميتهم- على الكفر ليكون ذلك أنكى لهم وأشد لعذابهم، فما أموالهم ولا أولادهم إلا استدراج لهم، ثم فضح الله تعالى ما يتظاهرون فيه من كونهم يحلفون الأيمان المؤكدة للمؤمنين أنهم منهم وما هم من المؤمنين، ثم بين أن حلفهم أثر عن جزعهم وخوفهم، وأنهم يودون أن لو وجدوا حصنا يتحصنون به، وحرزا يتحرزون به، أو مقامات في الجبال يلجئون إليها، أو سربا ونفقا في الأرض يسرعون إليه كيلا يخالطوا المؤمنين ولا يروهم ولا يروا من سلطانهم وعزهم، فهم يخالطون المؤمنين ويعيشون في دولتهم كرها لا محبة، وودوا أنهم لا يخالطونهم. ولهذا لا يزالون في هم وحزن وغم؛ لأن الإسلام لا يزال في عز ونصر ورفعة، فلهذا فإن كل ما سر المؤمنين يسوؤهم، فهم يودون ألا يخالطوا المؤمنين، فلا يغرن المؤمنون بأيمانهم أنهم مع المؤمنين، وبعد أن ذكر الله عزّ وجل هذا النموذج المار ذكره من المنافقين ثنى بذكر نموذج آخر منهم.

هذا النموذج الثاني من المنافقين نموذج طامع لماز، يعيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم تقسيمه الصدقات ويتهمه في عدله، فعليهم لعائن الله؛ إذ أنهم لا يعلنون ذلك إلا لحظ النفس والشيطان، ولا يمكن أن يكون فعلهم إلا حظا للنفس والشيطان، بدليل أنهم إذا أعطوا من هذا الزكوات رضوا، وإذا لم يعطوا منها أظهروا سخطهم، ولما ذكر الله تعالى اعتراض المنافقين الجهلة على النبي صلى الله عليه وسلم ولمزهم إياه في قسمه الصدقات، بين تعالى مصارف الزكوات؛ ليعلم هؤلاء المنافقون أن الله هو الذي قسمها وبين حكمها وتولى

<<  <  ج: ص:  >  >>