للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكرهين لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ أي إنفاقكم سواء أنفقتم طوعا أو كرها. ثم علل سبب عدم قبول نفقتهم بقوله: إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ والله إنما يتقبل من المتقين ومعنى فاسقين: أي متمردين عاتين ومعنى قوله: طوعا في الآية أي: من غير إلزام من الله ورسوله، ومعنى قوله كرها: أي ملزمين، وسمي الإلزام إكراها لأنهم منافقون فكان إلزامهم الإنفاق شاقا عليهم كالإكراه،

ثم ذكر سببا آخر لعدم قبول نفقاتهم فقال:

وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أي وما منعهم قبول نفقاتهم إلا ما يأتي أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ أي كفرهم وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى جمع كسلان. فكفرهم أولا وكسلهم عن الصلاة ثانيا، ورياؤهم بالنفقة ثالثا وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ هذه الأسباب الثلاثة منعتهم قبول صدقتهم، وقد وصفهم من قبل بالإنفاق الطوعي أحيانا، وسلب الإنفاق الطوعي عنهم أصلا هنا لأن المراد بطوعهم هناك أنهم يبذلونه من غير إلزام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من رؤسائهم وما طوعهم إلا عن كراهية واضطرار، لا عن رغبة واختيار،

وبعد أن أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء المنافقين ما رأيناه نهاه بعد ذلك أن يعجبه ما هم فيه من الدنيا فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ أي لا تستحسن ما أوتوا من زينة الدنيا ومعنى الإعجاب أن تسر بالشئ سرور راض به، متعجب من حسنه، ثم بين أن ما أوتوه ما هو إلا عذاب لهم فقال: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أي فإن الله أعطاهم ما أعطاهم ليعذبهم بالمصائب فيها أو بالإنفاق منه في أبواب الخير وهم كارهون له، أو بنهب أموالهم وسبي أولادهم، أو بجمعها وحفظها وحبها والبخل بها والخوف عليها وكل هذا عذاب ومع هذا العذاب عذاب آخر وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ أصل الزهوق: الخروج بصعوبة. أي وتخرج أرواحهم وهم كفرة، وفي ذلك العذاب الأكبر، وفي الآية دليل على بطلان قول المعتزلة بوجوب الأصلح على الله وبأن المعاصي ليست بإرادة الله، لأن الآية أخبرت أن إعطاء الأموال والأولاد لهم للتعذيب، والإماتة على الكفر، وإرادة العذاب إرادة لما يعذب به صاحبه وكل ذلك حجة على المعتزلة. ولنرجع إلى السياق:

فبعد أن صور الله لنا هذا النموذج وأخبرنا عما يقول وعما نجيبه، ونهانا عن الإعجاب بما هم فيه أكمل وصفهم بآيتين فقال:

وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ أي لمن جملة المسلمين وَما هُمْ مِنْكُمْ لأن عواطفهم مع الكافرين وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ أي يخافون فمن جبنهم وخوفهم أن تقتلوهم، يتظاهرون بالإسلام تقية

لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أي مكانا يلجئون إليه متحصنين في

<<  <  ج: ص:  >  >>