للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولننتقل إلى عرض المجموعة الخامسة من المقطع الثاني، وهي المجموعة الأخيرة فيه:

ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى أي ما صح لهم الاستغفار للمشركين في حكم الله وحكمته ولو كانوا أقرباء لهم مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ أي من بعد ما ظهر لهم أنهم ماتوا على الشرك: لقد فصلت العقيدة بين أهل الإيمان والشرك في الدنيا والآخرة،

ثم ذكر عذر إبراهيم إذ استغفر لأبيه وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ أي هو وعد أباه أن يستغفر له فاستغفر، تنفيذا لذلك الوعد ومعنى استغفاره: سؤاله المغفرة له ليسلم، أو سؤاله أن يعطيه الله الإسلام الذي به يغفر له فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ أي فلما تبين من جهة الوحي لإبراهيم أن أباه يموت كافرا، وانقطع رجاؤه عنه، تبرأ منه، وقطع استغفاره إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ أي كثير التأوه شفقا وفرقا لفرط ترحمه ورقته حَلِيمٌ أي: صبور على البلاء، صفوح عن الأذى، ومن حلمه أنه كان يدعو لأبيه وأبوه يتهدده ويتوعده بالرجم.

وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ أي وما كان الله ليقضي عليكم في استغفاركم لموتاكم المشركين بالضلال، بعد إذ رزقكم الهداية، ووفقكم للإيمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم حتى يتقدم إليكم بالنهي عنه فتتركوا، فأما قبل أن يبين لكم كراهة ذلك بالنهي عنه ثم تتعدوا نهيه إلى ما نهاكم عنه فإنه لا يحكم عليكم بالضلال، فإن الطاعة والمعصية إنما يكونان بعد بيان المأمور والمنهي، أما من لم يؤمر ولم ينه فغير كائن مطيعا أو عاصيا فيما لم يؤمر به ولم ينه عنه.

وعلى هذا فالقاعدة أن الله لا يؤاخذ عباده على شئ إلا إذا أقدموا عليه بعد بيان حظره، وعلمهم بأنه واجب الاجتناب، أما قبل العلم والبيان فلا، فالآية إذن فيها تطمين

لمن خاف المؤاخذة بالاستغفار للمشركين قبل نزول النهي.

إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ هذا تذكير من الله لعباده بصفاته، وهو في هذا السياق يفيد الحض على التقوى، والتحريض على الجهاد. قال ابن جرير: (هذا تحريض من الله تعالى لعباده المؤمنين في قتال المشركين، وملوك الكفر، وأن يثقوا بنصر الله مالك السموات والأرض، ولا يرهبوا من أعدائه، فإنه لا ولي لهم من دون الله ولا نصير لهم سواه) ثم ختم الله هذا المقطع وهذه المجموعة بتبيان ما كافأ به من خرج للنفير يوم تبوك وتبيان قبوله توبة من أرجأ الله قبول توبته ليمحصهم فقال:

لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِ

<<  <  ج: ص:  >  >>