للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستطاع للبشر عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ أي شديد عليه عنتكم أي لقاؤكم المكروه أي صعب على نفسه كل ما يرهقكم حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ أي على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم، فما لكم لا تقومون بحق الله معه، وتجاهدون معه؟! بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ عظيم الرأفة والشفقة، كثير الرحمة بالمؤمنين.

تعلمنا الآية أن على قادة المسلمين- أي على خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته أن يتصفوا بهذه الصفات: من الشفقة، والحرص على المؤمنين، وكمال الرأفة بهم، ولا يكون ذلك إلا بتطبيق أمر الله كاملا، ومن ذلك الجهاد. فرسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو أكمل الخلق في هذه الصفات- خاض بالمؤمنين غمرات الجهاد السنين الطوال.

فمن دعته رحمته وشفقته وحرصه على المؤمنين، ورغبته عن إعناتهم إلى ترك الجهاد فهو غير وارث. ومن ثم ندرك سر ختم هذه السورة بمثل هذه الآية والتي بعدها.

فَإِنْ تَوَلَّوْا أي أعرضوا عما تدعوهم إليه من أمر الجهاد وغيره فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ أي الله يكفيني أي فاستعن بالله وفوض إليه أمورك، فهو كافيك لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ أي فوضت أمري إليه وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ومن كان رب العرش- الذي هو أعظم المخلوقات- فإن التوكل عليه يغني عن جميع المخلوقات. وبهذا انتهت السورة.

[الفوائد]

١ - في تفسير قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ، وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ. قال ابن كثير: (أمر الله تعالى المؤمنين أن يقاتلوا الكفار أولا فأولا، الأقرب فالأقرب إلى حوزة الإسلام.

ولهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين في جزيرة العرب، فلما فرغ منهم، وفتح الله عليه مكة والمدينة، والطائف، واليمن، واليمامة، وهجر، وخيبر، وحضرموت، وغير ذلك من أقاليم جزيرة العرب، ودخل الناس من سائر أحياء العرب في دين الله أفواجا، شرع في قتال أهل الكتاب، فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إلى جزيرة العرب، وأولى الناس بالدعوة إلى الإسلام، لكونهم أهل الكتاب، فبلغ تبوك، ثم رجع لأجل جهد الناس وجدب البلاد وضيق الحال، وذلك سنة تسع من هجرته، عليه السلام، ثم اشتغل في السنة العاشرة بحجة الوداع، ثم عاجلته المنية- صلوات الله وسلامه عليه- بعد حجته بأحد وثمانين يوما، فاختاره الله لما عنده، وقام بالأمر بعده وزيره وصديقه وخليفته أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقد مال الدين ميلة كاد أن

<<  <  ج: ص:  >  >>