للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينجفل، فثبته الله تعالى به، فوطد القواعد، وثبت الدعائم، ورد شارد الدين وهو راغم، ورد أهل الردة إلى الإسلام، وأخذ الزكاة، ممن منعها من الطغام، وبين الحق لمن جهله، وأدى عن الرسول ما حمله، ثم شرع في تجهيز الجيوش الإسلامية إلى الروم عبدة الصلبان، وإلى الفرس عبدة النيران، ففتح الله ببركة سفارته البلاد، وأرغم أنفس كسرى وقيصر ومن أطاعهما من العباد، وأنفق كنوزهما في سبيل الله، كما أخبر بذلك رسول الله، وكان تمام الأمر على يدي وصيه من بعده، وولي عهده الفاروق الأواب، شهيد المحراب، أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأرغم الله به أنوف الكفرة الملحدين، وقمع الطغاة والمنافقين، واستولى على الممالك شرقا وغربا، وحملت إليه خزائن الأموال من سائر الأقاليم بعدا وقربا، ففرقها على الوجه الشرعي، والسبيل المرضي، ثم لما مات شهيدا وقد عاش حميدا، أجمع الصحابة من المهاجرين والأنصار، على خلاقة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه شهيد الدار، فكسا الإسلام برئاسته حلة سابغة، وأمدت في سائر الأقاليم على رقاب العباد حجة الله البالغة فظهر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وعلت كلمة الله، وظهر دينه، وبلغت الأمة الحنيفية من أعداء الله غاية مآربها. وكلما علوا أمة انتقلوا إلى من بعدهم، ثم الذين يلونهم من العتاة الفجار، امتثالا لقول تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وقوله تعالى وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً أي وليجد الكفار منكم غلظة عليهم في قتالكم لهم. فإن المؤمن الكامل هو الذي يكون رقيقا لأخيه المؤمن، غليظا على عدوه الكافر، كقوله تعالى فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ

وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ

(المائدة: ٥٤) وقوله تعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ، رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (الفتح: ٢٩) وقال تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ. (التحريم: ٩) وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا الضحوك القتال يعني أنه ضحوك في وجه وليه قتال لهامة عدوه، وقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ أي قاتلوا الكفار وتوكلوا على الله، واعلموا أن الله معكم إذا اتقيتموه وأطعتموه. وهكذا الأمر لما كانت القرون الثلاثة الذين هم خيرة هذه الأمة في غاية الاستقامة، والقيام بطاعة الله تعالى، لم يزالوا ظاهرين على عدوهم، ولم تزل الفتوحات كثيرة، ولم تزل الأعداء في سفال وخسار، ثم لما وقعت الفتن والأهواء، والاختلافات بين الملوك، طمع الأعداء في أطراف البلاد، وتقدموا إليها، فلم يمانعوا لشغل الملوك بعضهم ببعض، ثم تقدموا إلى حوزة الإسلام، ولله الأمر من قبل ومن

<<  <  ج: ص:  >  >>