للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله ربهم، فذلك قوله: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وقال سفيان الثوري: إذا أراد أحدهم أن يدعو بشيء قال: سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ.

وختم ابن كثير الكلام على الآية الأخيرة بقوله: «هذا فيه دلالة على أنه هو المحمود أبدا، المعبود على طول المدى، ولهذا حمد نفسه عند ابتداء خلقه واستمراره، وفي ابتداء كتابه، وعند تنزيله حيث يقول تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ (الكهف: ١) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ (الأنعام: ١) إلى غير ذلك من الأحوال التي يطول بسطها، وأنه المحمود في الأولى الآخرة، في الحياة الدنيا وفي الآخرة في جميع الأحوال، ولهذا جاء في الحديث: «إن أهل الجنة يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس» وإنما يكون ذلك لما يرون من تزايد نعم الله عليهم، فتكرر وتعاد وتزداد فليس لها انقضاء ولا أمد، فلا إله إلا هو ولا رب سواه)

ثم أخبر تعالى عن حكمته ولطفه بعباده أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم، أو على أموالهم، أو على أولادهم بالشر، في حال ضجرهم وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك. فلهذا لا يستجيب لهم- والحالة هذه- لطفا ورحمة، كما يستجيب لهم إذا ادعوا لأنفسهم، أو لأموالهم، أو لأولادهم بالخير والبركة والنماء، فيسبب من ذلك يبقى الكافرون بالآخرة مترددين متحيرين كأثر من آثار استجابة الدعاء أحيانا، وعدم استجابته أحيانا كأثر من حلمه عزّ وجل، وصبره وإمهاله لعباده، وعدم التعجيل لهم. وختم هذه المجموعة بهذه الآية فيه استكمال للحجج الواردة في هذه المجموعة، فإنكار الوحي أثر عن أشياء كثيرة، منها الكفر باليوم الآخر، وهذه الآية تذكر سببا من أسباب كفر الكافرين باليوم الآخر، فالله رحيم بعباده لطيف بهم، ومن ثم فإنه لا يعجل لهم الشر، وهذا كله تخفى حكمته على من لا يؤمن باليوم الآخر، ومن ثم فإنهم يستمرون فيما هم فيه من طغيان، متحيرين مترددين، بدلا من أن يؤمنوا ويتابعوا الوحي قال تعالى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ أي كاستعجالهم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ بأن يهلكهم ولكن يمهلهم فَنَذَرُ أي نترك الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا أي لا يؤمنون بالآخرة فِي طُغْيانِهِمْ في تجاوزهم حدود الله يَعْمَهُونَ أي يترددون ويتحيرون. فصار المعنى: ولو عجلنا لهم الشر الذي دعوا به كما نعجل لهم الخير ونجيبهم لأميتوا وأهلكوا، وقد تضمن هذا نفي التعجيل، فبسبب

<<  <  ج: ص:  >  >>